وإيمانهم بالتوراة -كما دلَّ عليه قوله تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} الآيةَ- لا يدل على أنهم كانوا مكلَّفين به؛ لجواز إيمانهم به تبرعًا منهم، وليس منهم رسولٌ عن اللَّه سبحانه وتعالى عند جماهير العلماء، وأما قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}. . فالمراد به: من أحدكم، وهم الإنس، على حدِّ قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}، وكذا من الملائكة بالنسبة لنبينا أيضًا؛ لأنه مرسلٌ إليهم عند جماعةٍ من أئمتنا المحققين (?)؛ كما يدل عليه خبر مسلم: "وأُرسلتُ إلى الخلق كافة" (?)، بل أخذ بعض المحققين من أئمتنا بعمومه حتى للجمادات؛ بأن ركِّب فيها عقلٌ حتى آمنتْ به (?).
وقول الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} الشامل لهم (?): (أجمعنا على أن المراد الإنس والجن دون الملائكة) (?). . مردودٌ، أو مراده به إجماع الخصمين؛ إذ (أجمعنا) إنما يقال لذلك غالبًا، لا إجماع كل الأمة، على أن هذا لا يؤخذ من مثل الرازي، بل من مثل ابن المنذر وابن جرير.
وأما غير نبينا. . فغير مرسلٍ إليهم قطعًا.
إذا تقرر ذلك. . فإطلاق المصنف بعْثَ الرسل إلى المكلفين ليس المراد به عمومه كما عرفت.
فإن قلت: تكليف الملائكة من أصله مختلَفٌ فيه.
قلت: الحق تكليفهم بالطاعات العملية؛ قال تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، بخلاف نحو الإيمان؛ لأنه ضروريٌّ فيهم، فالتكليف وبه تحصيلٌ