ونظيره: قول آخر في قسمةٍ قسمها النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنها لقسمةٌ ما أُريد بها وجه اللَّه، فبلغه صلى اللَّه عليه وسلم ذلك فغضب، ثم قال: "يرحم اللَّه أخي موسى؛ لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر" (?).

وفيه فضيلة الصبر، وفضائله كثيرة؛ منها: أنه تعالى جعل في مطلق الأعمال الحسنة بعشر، والصدقة بسبع مئة مع المضاعفة عليها لمن يشاء تعالى، وجعل جزاء الصابرين بغير حساب، ومر ذلك قريبًا.

وسبب تميزه بذلك: ما فيه من مجاهدة النفس وقمعها عن شهواتها مع كونها جُبلت على الانتقام ممن آذاها، ومن ثم شقَّ عليه صلى اللَّه عليه وسلم ما نسبه إليه هذان، لكن سكَّن ذلك منه علمُهُ بعظيم جزاء الصبر، وورد: (أنه نصفُ الإيمان) (?)، وأنه: لا عطاءَ خيرٌ ولا أوسع منه.

ويوافق حديث الباب أيضًا قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "والذي نفسي بيده؛ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، وولده، وأهله، والناس أجمعين" رواه الشيخان (?).

واستفيد منه توقف الإيمان على تقديم محبته صلى اللَّه عليه وسلم على محبة جميع الخلائق، ومحبته تابعةٌ لمحبة مُرسِلِه، والمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في محبة ما يحب وكراهة ما يكره، وكلا هذين من جوامع كلمه صلى اللَّه عليه وسلم، أما الأول. . فلما مر في شرحه، وأما الثاني. . فلأنه جمع فيه أقسام المحبة الثلاثة: محبة الإجلال كمحبة الوالد، والشفقة كمحبة الولد، والاستحسان والمشاكلة كمحبة سائر الناس.

فمعنى الحديث: أَن مَنِ استكمل الإيمان. . علم أن حقه صلى اللَّه عليه وسلم آكد من حق أبيه وأمه والناس؛ لأنه استنقذنا من النار، وهدانا من الضلال، بل ومن حق نفسه، ومن ثم وجب بذلها دونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015