{وَيُسَلِمُّوْا}، ولم يكتف به أيضًا، بل زاد فيه فأتى بالمصدر الرافع لاحتمال التَّجَوُّز فقال: {تَسلِيمًا}، وبهذا التسليم تكون النفس مطمئنةً لحكمه، منشرحةً به، لا تَوَقُّف عندها فيه بوجه.
وسبب نزولها مَنْ تقدَّم ذكره ممَّن أراد التحاكم إلى الطاغوت كما يقتضيه السياق، أو قتل عمر مَنْ لم يرضَ بحكم النبي صلى اللَّه عليه وسلم وطلب منه أن يرده إلى عمر، فعتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم في قتله مؤمنًا، فنزلت تبرئةً له رضي اللَّه تعالى عنه (?).
أو تخاصم الزبير رضي اللَّه تعالى عنه وأنصاري -وزعمُ أن حاطب بن أبي بلتعة البدري هو خصمه وَهَمٌ- في ماءٍ فامر صلى اللَّه عليه وسلم الزبير بسقي أرضه ثم تسريحه إلى أرض خصمه؛ لكونه -أعني الزبيرَ- أعلى وأقرب إلى مجتمع السيل، ومن كان كذلك. . يستحق الشرب وحبس الماء إلى أن يبلغ الكعبين ثم يسرحه لمن تحته، وهكذا، فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه؛ أن كان ابن عمتك؟! فتلوَّن وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم أمر الزبير بأن يحبس الماء حتى يبلغ الجُدْر -بضم فسكون، وفي رواية: (حتى يبلغ الكعبين) (?)، والروايتان متقاربتان- ثم بإرساله لخصمه، فاستوفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما أغضبه ذلك الرجل بذلك الذي نسبه إلى الجور للزبير حقَّه بعد أن كان أولًا أمره بالمسامحة بترك بعض حقه، فنزلت تلك الآية ردًا على ذلك الرجل وأمثاله (?)؛ فإنه إما منافقٌ؛ إذ لا يصدر مثل ذلك من مسلمٍ، أو مسلمٌ لكن صدر منه ذلك بادرةَ نفس وزلةَ شيطان كما اتفق لأصحاب الإفك كحسان ومسطح، ولم يقتله صلى اللَّه عليه وسلم؛ لعظيم حلمه وصفحه، وخشيةً من تنفير غيره.
ولزوال هذين بوفاته صلى اللَّه عليه وسلم وجب قتل مَنْ صدر منه نحو ذلك ما لم يتب عندنا، ومطلقًا عند مالك وجماعة.