والإكثار من نوافل العبادات، مع كونه لا يفتر عن ذكره، ولا يرى بقلبه غيره؛ لاستغراقه في نور معرفته، فلا يرى إلا دلائل قدرته، ولا يسمع إلا آياته، ولا ينطق إلا بالثناء عليه، ولا يتحرك إلا في طاعته، وهذا هو المتقي؛ قال تعالى: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}.
(فقد آذنته بالحرب) أي: أعلمته بأني محاربٌ له، ونظيره: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، ويقرب منه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيةَ، ومَنْ حاربه اللَّه تعالى -أي: عامله معاملة المحارب من التجلي عليه بمظاهر القهر والجلال والعدل والانتقام-. . لا يفلح أبدًا، وهذا من التهديد في الغاية القصوى؛ إذ غاية تلك المحاربة الإهلاك، فهي من المجاز البليغ (?)، وكأن المعْنيَّ فيه: ما اشتملت عليه تلك المعاداة من المعاندة للَّه بكراهة محبوبه.
ومن ثم لما وقع ذلك لإبليس حين أبى عن السجود المأمور به لآدم. . أهلكه اللَّه هلاكًا لا شفاء له أبدًا، وفي ذلك إنذارٌ إلى كل من عادى وليًا له بأنه محاربه، فإذا أخذه على غرةٍ. . كان ذلك بعد الإعذار بتقديم الإنذار.
وفي رواية بدل هذا: "فقد استحلَّ محارمي" (?)، وفي أخرى: "فقد استحلَّ محاربتي" (?)، وفي أخرى: "فقد بارزني بالمحاربة" (?)، وفي أخرى: "فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه. . يوشك أن يأخذه" والكلام فيمن عادى وليًا من أجل ولايته وقربه من اللَّه تعالى، لا مطلقًا، فلا تدخل منازعته في محاكمةٍ أو خصومةٍ راجعةٍ لاستخراج حقٍّ أو كشف غامضٍ؛ لجريان نوعٍ ما من الخصومة بين أبي بكر وعمر، وعلي والعباس، وكثير من الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، مع أن الكل أولياء اللَّه تعالى.