(رواه البخاري ومسلم [في "صحيحيهما"] بهذه الحروف) (?) وفي رواية لمسلم بعد (واحدة): "ومحاها اللَّه، ولا يهلك على اللَّه إلا هالك" (?) أي: لا يهلك بعد هذا الفضل العظيم بتلك المضاعفة وبذلك التجاوز إلا من ألقى بيده إلى التهلكة، وتجرَّأ على السيئات، وأعرض عن الحسنات؛ ولهذا قال ابن مسعود: (ويلٌ لمن غلبت وَحَداته عشراته) وجاء مرفوعًا: "هلك من غلب واحده عشرًا" (?).
وأخرج أحمد: "لا يدع أحدكم أن يعمل للَّه ألف حسنة حين يصبح، يقول: سبحان اللَّه وبحمده مئة مرة؛ فإنها ألف حسنة، فإنه لن يعمل إن شاء اللَّه مثل ذلك في يومه من الذنوب ويكون ما عمل من خيرٍ سوى ذلك وافرًا" (?).
ثم هذا الحديث حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، جامعٌ لأصناف الخير ومقادير الحسنات والسيئات، بيَّن فيه صلى اللَّه عليه وسلم عن ربه ما تفضَّل اللَّه تعالى به على عبيده بما سبق تقريره، وفيه تصحيحٌ للقول بأن الحفظة تكتب ما يَهُمُّ العبد به من حسنةٍ أو سيئة، وأنهم يعلمون منه ذلك، وردٌّ على من زعم أنهم إنما يكتبون ما ظهر من عملٍ أو قولٍ، واستدلوا له بشيءٍ رُوي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها.
والصواب: ما صح عنه صلى اللَّه عليه وسلم أنهم يكتبون الهم، واطلاعهم عليه إما بإلهامٍ أو بكشفٍ عن القلب وما يحدث فيه، كما يقع لبعض الأولياء، أو بريحٍ يظهر لهم من القلب (?).
(فانظر) من النظر بمعنى إعمال الفكر، ومزيد التدبر والتأمل.
(يا أخي) نداءُ تعطُّفٍ وشفقة؛ ليكون أدعى إلى الامتثال والقبول؛ قال اللَّه تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.