(فمن هم بحسنة) أي: أرادها وترجَّح عنده فعلها، فعُلم منه بالأولى حكم العزم، وهو الجزم بفعلها والتصميم عليه (فلم يعملها. . كتبها اللَّه عنده) هذه عِنْدِيَّة شرفٍ ومكانةٍ؛ لتنزهه تعالى عن عندية المكان (حسنةً) لأن الهمَّ بالحسنة سببٌ إلى عملها، وسبب الخير خيرٌ، فالهمُّ بها خيرٌ، وفي رواية لمسلم: "إذا تحدَّث عبدي بأن يعمل حسنة. . فأنا أكتبها له حسنة" (?)، وظاهرٌ أن المراد بالتحدث: الهمُّ، ويؤيده الخبر الآخر: "من هم بحسنةٍ فلم يعملها، فعلم اللَّه تعالى أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها. . كتبت له حسنة" (?)، فالحرص عليها مستلزمٌ للعزم الذي هو ترجيح الوقوع كما مر، ومخرج للخطرة التي تخطر ثم تنفسخ من غير عزمٍ ولا تصميم.

واستفيد من ذكر الحسنة هنا والمضاعفة فيما يأتي: اختصاص المضاعفة بمن عمل دون مَنْ نوى، فهما في الأصل سواءٌ وإن اختص العامل بالتضعيف (?)، وعلى هذا يحمل حديث أحمد والترمذي وابن ماجه: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللَّه تعالى مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم للَّه فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه اللَّه علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية، فيقول: لو أن لي مالًا. . لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه اللَّه تعالى مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علمٍ، لا يتقي فيه ربه تعالى، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم للَّه حقًا فيه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه اللَّه مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا. . لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء" (?).

(كاملة) ذكره؛ لئلا يظن أن كونها مجردَ همٍّ ينقص ثوابها (وإن هم بها فعملها. . كتبها اللَّه عنده عشر حسنات) لأنه أخرجها من الهم إلى ديوان العمل، فكُتِب له بالهَمِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015