السكينة تحملها الملائكة كالقُبَّة، فلما دنت منهم. . تكلَّم رجلٌ منهم بباطلٍ فرُفعت عنهم" (?).
ويصح إرادة هذا بالسكينة هنا، وهي في قوله تعالى: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} إما ريحٌ لها وجه إنسان، أو رأسان، أو رأس هرة وجناحان وذَنَب، أو طست من ذهب، أو رَوْح من اللَّه تعالى تبين لهم ما يختلفون فيه (?).
واختيار القاضي عياض أنها هنا الرحمة. . مردودٌ (?)؛ لعطفها عليها المقتضي للمغايرة في قوله: (وغشيتهم الرحمة) أي: شملتهم من كل جهةٍ لاستيعابها ذنوبهم؛ إذ الغشيان لغةً: إنما يستعمل فيما يشمل المغشي من جميع أجزائه وجوانبه، فتجوَّز به عما ذُكر مبالغةً فيه (?)، ومر تفسيرها بأنها إرادة التفضل والإنعام، أو الإنعام نفسه.
والمراد هنا: الأثر المترتب عليه؛ إذ هو الذي يوصف بالغشيان، فهي إحسانٌ نشأ عن إحسان الذاكر بذكره، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهذا الغشيان في حالة الذكر سببٌ لتنزل تلك السكينة من اللَّه تعالى على الذاكرين، فلا ينزعجون لطارقٍ من طوارق الدنيا؛ لعلمهم بإحاطة قدرة مذكورهم له، فسكنوا واطمأنت قلوبهم بموعود الأجر؛ لقوة رجائهم بحصوله لما وُفِّقوا إلى الاشتغال باللَّه تعالى عن كل ما سواه.
(وحفَّتهم الملائكة) أي: أحاطت بهم ملائكة الرحمة والبركة إلى السماء الدنيا كما في رواية "الصحيحين" (?)، وفي روايةٍ لأحمد: "علا بعضهم على بعضٍ حتى يبلغوا العرش" (?)، كل ذلك لاستماع الذكر تعظيمًا للمذكور، وإعظامًا للذاكرين على غايةٍ من القرب والملاصقة بهم بحيث لم يدَعوا للشيطان فرجةً يتوصل منها للذاكرين.