(كربةً) هي: ما أهمَّ النفس وغمَّ القلب؛ كأنها مشتقةٌ من (كرب) التي للمفاجأة؛ لأن الكربة تقارب أن تزهق النفس، فكأنها لشدة غمِّها عطَّلت محالَّ التنفس منه، وبه يعلم حكمة إيثار (نفَّس) على رديفه من (أزال) أو (فرَّج) وقال بعضهم: التفريج أعظم من التنفيس؛ لأنه إزالتها بالكلية، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج التفريج، ومن ثم جمع بينهما في رواية الطبراني (?).

(من كرب الدنيا. . نفس اللَّه عنه كربةً من كرب يوم القيامة) (?) وفي رواية للطبراني: "نفَّس اللَّه عنه كربةً يوم القيامة، ومن ستر على مؤمنٍ عورته. . ستر اللَّه عورته، ومن فرَّج عن مؤمنٍ كربةً. . فرَّج اللَّه عنه كربته" (?)، فعُلم عظيم فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسَّر من علمٍ، أو مالٍ، أو جاهٍ، أو إشارةٍ، أو نصحٍ، أو دلالةٍ على خيرٍ، أو إعانةٍ بنفسه، أو سفارته ووساطته، أو شفاعته، أو دعائه له بظهر الغيب.

ومما يعلمك بعظيم الفضل في هذا وما بعده أن الخلق عيال اللَّه، وتنفيس الكرب إحسانٌ إليهم، والعادة أن السيد والمالك يحب الإحسان لعياله وحاشيته، وفي الأثر: "الخلق عيال اللَّه، وأحبهم إلى اللَّه تعالى أرفقهم بعياله" (?).

وعبَّر هنا بـ (مؤمن) على ما في أكثر النسخ، وفيما يأتي بـ (مسلم) إما للتفنُّن، أو لأن الكربة تتعلق بالباطن كما علم مما مر في تفسيرها، فناسب الإيمان المتعلق به أيضًا، والستر يتعلق بالظاهر غالبًا، فناسب الإسلام المتعلق به.

وخصَّ الجزاء هنا بكُرَبِ القيامة وعمَّمَ في الستر الآتي؛ لأن الدنيا لما كانت محل العورات والمعاصي والعارُ فيهما أكثر منه في الكرب الدنيوية. . احتيج إلى الستر فيها فذُكِرا ثَمَّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015