فالاحتقار ناشئٌ عن الكِبر، لخبر مسلم: "الكبر بطر الحق وغمص الناس" (?) بمعجمة ثم مهملة، وفي روايةٍ لأحمد: "الكبر سفه الحق وازدراء الناس" (?)، وفي روايةٍ: "لا يعد الناس، فلا يراهم شيئًا" أي: لأن المتكبر ينظر لنفسه بعين الكمال، ولغيره بعين النقص، فيحتقرهم ويزدريهم، ولا يراهم أهلًا لأن يقوم بحقوقهم.
وتخصيص ذلك بالمسلم لمزيد حرمته، لا للاختصاص به من كل وجه؛ لأن الذمي يشاركه في حرمة ظلمه وخذلانه بنحو ترك دفع عدوه عنه، والكذب عليه، واحتقاره.
نعم؛ احتقاره من حيث الكفرُ القائم به جائزٌ؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}.
(التقوى) وهي: اجتناب عذاب اللَّه تعالى بفعل المأمور وترك المحظور (ههنا، ويشيرُ) بيديه (إلى صدره ثلاث مرات) أي: محل مادَّتها من الخوف الحامل عليها القلبُ الذي هو عند الصدر؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فلا عبرة بظواهر الصور، ومن ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إن اللَّه لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" (?) أي: أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة اللَّه تعالى وخشيته ومراقبته، فمن ثم كان نظر اللَّه تعالى بمعنى مجازاته ومحاسبته على ما في القلب من خيرٍ وشرٍّ دون الصور الظاهرة؛ إذ الاعتبار في هذا كلِّه بالقلب؛ كما أفاده قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أَلَا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت. . صلح الجسد كله، وإذا فسدت. . فسد الجسد كله، أَلَا وهي القلب" (?).
وفي الحديث دليلٌ على أن العقل في القلب دون الرأس، ومرَّ ما في ذلك مستوفًى، ووجه مناسبة هذا لما قبله: الإعلامُ بأن كرم الخلق عند اللَّه تعالى إنما هو