غشٌّ وخيانةٌ، ومن ثم كان أشدَّ الأشياء ضررًا، والصدق أشدَّها نفعًا؛ ولهذا علَتْ مرتبته على مرتبة الإيمان؛ لأنه إيمانٌ وزيادة؛ قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}؛ ولأنه يرادف التقوى بدليل: {الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وهي أخص من الإيمان، فكذا رديفها.
وبالجملة: فقُبْحُ الكذب مشهورٌ معلومٌ لكل ذي لبٍّ مستقيم؛ إذ ترك الفواحش كلها بتركه، وفعلها بفعله، فموضعه من القبح كموضع الصدق من الحسن؛ ولذا أجمعوا على تحريمه إلا لضرورةٍ أو مصلحةٍ (?).
(ولا يحقره) بفتح أوله وبالمهملة والقاف؛ أي: لا يستصغر شأنه ويضع من قدره؛ لأن اللَّه تعالى لمَّا خلقه. . لم يحقره، بل رفعه وخاطبه وكلَّفه، فاحتقاره تجاوزٌ لحدِّ الربوبية في الكبرياء، وهو ذنبٌ عظيم، ومن ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: "بحسب امرئٍ من الشر. . . إلخ".
ورُوي بضم أوله وبالمعجمة والفاء (?)؛ أي: لا يغدر عهده، ولا ينقض أمانته، قال عياض: (والصواب المعروف هو الأول، وهو الموجود في غير "كتاب مسلم") (?) ويؤيده رواية: "ولا يحتقره".
ومعنى هذه الجمل: أن من حقِّ الإسلام وأُخُوَّتِه ألَّا يَظلم المسلم أخاه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، وللإسلام حقوقٌ أُخر ذُكرتْ في غير هذا الحديث، وقد جمعت في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".