ثم إن كان المأمور به أو المنهي عنه ظاهرًا كالصلاة والشرب. . لم يختصَّ بالعلماء، وإلَّا. . اختص بهم أو بمن علمه منهم، وأن يكون المُنكَر مجمعًا عليه، أو يعتقد فاعله تحريمه، أو حله وضعفت شبهته جدًا كنكاح المتعة؛ أي: ولا يعلم ذلك إلا بإخباره عن نفسه فيما يظهر، فمن رأى شخصًا يعلم أن مذهبه شافعي يشرب نبيذًا. . لم يجز له أن ينكر عليه؛ لاحتمال أنه قلَّد أبا حنيفة في شربه، ويحتمل خلافه تعويلًا على ظاهر حاله وأصل بقائه على مذهبه المعهود له قبل ذلك.

ويؤيد الأول عموم قول المصنف وغيره: (لا إنكار في المختلف فيه؛ لأن كل مجتهدٍ مصيبٌ على المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم، وعلى الأصح أن المصيب واحدٌ، والمخطئ غير متعينٍ لنا والإثم موضوعٌ عنه) (?).

وعبارة القرطبي: (ما صار إليه إمامٌ وله وجهٌ ما في الشرع لا يجوز لمن رأى خلافه أن ينكره، وهذا لا يختلف فيه) اهـ (?)

وإنما لم ينكر على الحنفي ذلك بالقول مع حدِّنا له به؛ لأن حده ليس من باب إنكار المنكر، بل لأن الحاكم يلزمه الحكم بما يراه، وأيضًا فأدلة تحليل النبيذ واهيةٌ جدًا، بخلاف نكاحه بلا وليٍّ، ومن ثم لم نحدَّه به، وهذا أَولى من جوابٍ لابن عبد السلام عن ذلك كما بينته في "شرح الإرشاد".

والأَوْلى أمرُ أو نهيُ فاعلِ مختلَفٍ فيه يَرَى إباحته برفقٍ وتلطُّفٍ على وجه النصيحة؛ لأن الخروج من الخلاف سنة اتفاقًا إن لم يقع في خلافٍ آخر، أو يترك سنةً ثابتةً.

فعلم أن الأمر بالمعروف في المستحب مستحبٌّ، لكن بشرط كونه برفقٍ على وجه الإرشاد والنُّصح.

وعلى الإمام أن ينصب محتسبًا يأمر وينهى وإن لم يختص ذلك به، فيتعيَّن عليه ذلك دون غيره بالولاية، سواء أتمحَّض حقًا للَّه تعالى عامًا -كإقامة الجمعة بشروطه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015