سفره، كما كان صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكبٍ قال في ظل شجرةٍ ثم راح وتركها" (?).
ثم من أهل هذا القسم مَنِ اقتصر من الدنيا على سدِّ رمقه فقط، وهو حال كثيرٍ من الزُّهَّاد، ومنهم من فسح لنفسه أحيانًا في تناول بعض مباحاتها، لتقوى النفس به وتنشط للعمل، ومنه خبر أحمد والنسائي: "حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب" (?)، وخبر أحمد عن عائشة: (كان صلى اللَّه عليه وسلم يحب من الدنيا النساء والطيب والطعام، فأصاب من النساء والطيب ولم يصب من الطعام) (?).
وتناولُ الشهوات المباحة بقصد التقوي على الطاعة يصيِّرها طاعات، فلا تكون من الدنيا، ومن ثم صح على ما قاله الحاكم: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "نعمت الدار الدنيا لمن تزوَّد منها لآخرته حتى يرضي ربه، وبئست الدار لمن صدَّت به عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه، وإذا قال العبد: قبَّح اللَّه الدنيا. . قالت الدنيا: قبَّح اللَّه أعصانا لربه" (?).
ثم الحامل على الزهد أشياء:
منها: استحضار الآخرة ووقوفه بين يدي مولاه، فحينئذٍ يغلب شيطانَه وهواهُ، ويصرف نفسه عن لذات الدنيا ونعيمها، وشاهده: أن حارثة رضي اللَّه تعالى عنه لمَّا قال للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أصبحت مؤمنًا حقًا. . قال له: "إن لكل حقٍّ حقيقةً، فما حقيقة إيمانك؟ " قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فاستوى عندي حجرها ومدرها، وكأنِّي انظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني انظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون، قال: "يا حارثة، عرفت فالزم" (?).