إنما هو في الدنيا بشخصه فقط، وأما بمعناه. . فهو مع اللَّه تعالى بالمراقبة والمشاهدة لا ينفك عنه.
واعلم: أن العلماء فسروا الدنيا بأنها ما حواه الليل والنهار، وأظلته السماء، وأقلته الأرض، واختلفوا في المزهود فيه منها، فقيل: الدينار والدرهم، وقيل: المطعم، والمشرب، والملبس، والمنكح، والمسكن، وقيل: الحياة.
والوجه كما علم مما مر: أنه كل لذةٍ وشهوةٍ ملائمةٍ للنفس مما ذكر وغيره، حتى الكلام بين مستمعين له ما لم يقصد به وجه اللَّه تعالى، وفي حديث مرفوع خرجه الترمذي وقال: غريب، وفي إسناده مَنْ هو منكر الحديث، وابن ماجه: "الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا: ألَّا تكون بما في يديك أوثق مما في يد اللَّه، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أُصبتَ بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك" (?) ولا يعارض ما مر في تفسير الزهد؛ لأن الترمذي قال: إنه غريبٌ، وفي سنده مَنْ هو منكر الحديث.
ولأن أحمد رواه موقوفًا على أبي مسلم الخولاني بزيادة: (وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء) (?) وهو الصحيح، وقد اشتمل على تفسير الزهد في الدنيا بثلاثة أمورٍ كلها من أعمال القلب دون الجوارح، ومن ثم كان أبو سليمان يقول: لا تشهد لأحدٍ بالزهد؛ لأنه في القلب.
ومنشأ أول تلك الثلاثة (?): من صحة اليقين وقوته، فإنه تعالى تكفَّل بأرزاق عباده كما في آياتٍ كثيرةٍ من كتابه، وفي حديثٍ مرفوع: "من سرَّه أن يكون أغنى الناس. . فليكن بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده" (?).
وقال الفضيل: (أصل الزهد الرضا عن اللَّه عز وجل) (?).