حمد صلي اللَّه عليه وسلم مسألته، وعجب من فصاحته حيث (قال) له: (لقد سألت عن عظيم) أي: عن عملٍ عظيمٍ؛ إما لأن عظم المسبب يستدعي عظم السبب، ودخول الجنة والتباعد عن النار أمرٌ عظيمٌ، سببه: امتثال كل مأمور، واجتناب كل محظور، وذلك عظيمٌ صعبٌ قطعًا، ولولا ذلك. . لما قال اللَّه تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
وإما من حيث صعوبته على النفوس وعدم وفائها غالبًا بما يطلب له، وفيه من الوسائل والمقاصد الواجبة والمندوبة، وأجلُّها الإخلاص؛ إذ هو روح العمل وأُسُّه المقوِّم له، وأنى به؟! فإنه لا يوجد كماله إلا للشاذِّ النادر من العاملين، ولعزته كان مما استأثر اللَّه تعالى به؛ فإنه لم يطلع عليه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا.
وليس المراد استعظام جزائه ونتيجته فقط؛ بدليل قوله: (وإنه ليسير على من يسَّره اللَّه تعالى عليه) (?) بتوفيقه إلى القيام بالطاعات على ما ينبغي، وشَرْحِ اللَّه تعالى صدره إلي السعي فيما يكمله ويقربه من ربه تعالى مع تهيئة أسباب ذلك له: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} وهدايته إلى صفاء نفسه عن كدوراتها، فعزبت عن سائر مألوفاتها وشهواتها، وطمحت إلى أعلى أحوالها ومقاماتها، وترقَّت عن سفساف أخلاقها، وحضيض أوصافها إلى غايات الكمال، ونهايات الجلال.
ثم فسر ذلك العمل العظيم بقوله: (تعبد اللَّه) تعالى؛ أي: توحِّده في حال كونك (لا تشرك به شيئًا) أو تأتي بجميع أنواع العبادة في حال كونك مخلصًا له؛ بأن تقصد بها، وجهه تعالى وحده؛ قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
(وتقيمُ الصلاة) هو وما بعده من عطف المغاير على المعنى الأول (?)، وعليه فيكون قد ذكر له التوحيد وأعمال الإسلام، والخاص على العام على المعنى الثاني (?).