ساويتموهم وإن لم تكن لكم قُرَبٌ ماليةٌ وذلك فضل اللَّه عليكم. . خلافُ ظاهر الحديث فلا يعوَّل عليه.
ولفظه في "الصحيحين": إن فقراء المهاجرين أتوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم، فقال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟! " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: "تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين مرة" قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهلُ الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء" (?).
فعلم أن الذي دل عليه ظاهره إنما هو أفضلية غنى شارك الفقير في عبادته وزاد عليه بقُرَبٍ ماليةٍ، وهذا لا شك فيه كما قاله شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وإنما الذي يتردَّد النظر فيه إذا تساويا في أداء الواجب فقط، وزاد الفقيرُ بنوافل الأذكار، والغنيُّ بنوافل الصدقات.
وقاعدة أن العمل المتعدي أفضل من القاصر غالبًا. . تشهد لأفضلية الغني هنا أيضًا (?)، لكن وردت ظواهر تخالف ذلك، وتقتضي تفضيل الذِّكر على الصدقة بالمال؛ كحديث أحمد والترمذي: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟! " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: " ذكر اللَّه عز وجل" (?).