كونها نورًا. . اختصت باسم النور الذي هو محض إشراقٍ ولذةٍ، وبهذا يسقط الإشكال من أصله، ويندفع القول بأن المراد بالصبر الصوم، على أنه لا يحتاج لادِّعاء أن المراد ذلك؛ لأنه مصرحٌ به في رواية، بل وقع في بعض نسخ "صحيح مسلم" التعبير به بدل "الصبر" لكن عليها يشكل التعبير فيه بالضياء، وفي الصلاة بالنور.
وقد يجاب بأن الصوم فيه نحو ما مر في الصبر من محق الشهوات وإحراقها؛ إذ هو مشتملٌ على أنواع الصبر الثلاثة السابقة؛ لأنه صبرٌ على طاعة اللَّه تعالى وعن معاصيه؛ إذ العبد يترك شهوته للَّه تعالى، ونفسه تنازعه عليها، ومن ثم جاء في الحديث الصحيح القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به؛ إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي" (?) وصبرٌ على ألم الجوع والعطش؛ ولذلك (كان صلى اللَّه عليه وسلم يسمي شهر الصيام شهر الصبر) (?).
وفي رواية أحمد والترمذي في هذا الحديث: "والصوم نصف الصبر" (?) أي: معظمه، وقيل: يأتي فيه ما في: "الطهور نصف الإيمان" فلذلك كلِّه ناسبه التعبير عنه بـ (الضياء) الذي هو محرقٌ؛ بخلاف الصلاة كما تقرر، وبأنه لمَّا امتاز عليها بإضافته إلى اللَّه تعالى دون غيره من العبادات، وبتوليه تعالى الجزاء عليه المشعر ببلوغه من العظمة والكمال نهايتهما (?). . فلا بدع أن يتميز عليها بكونه أضوأ منها وأنور.
وأيضًا: ففيه من تصفية النفس وتطهيرها من الكدورات المانعة لها عن مطالعة الغيوب ما ليس في الصلاة؛ فبهذا الاعتبار كان أضوأ منها وأنور، فاتضحت حكمة التغاير بينهما، وإيثاره عليها بكونه ضياء.
ثم رأيت بعض الشارحين صرح بكثيرٍ مما ذكر وزيادة، مع أنه فاته محاسن ممَّا مر، فقال ما حاصله: (فإن قلت: لِمَ جعل الصبر ضياء والصلاة نورًا؟ وهل بينهما