وهو باعتبار طريقيه حديثٌ عظيم الموقع، وأصلٌ كبيرٌ في رعاية حقوق اللَّه تعالى، والتفويض لأمره، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرده، وعجز الخلق وافتقارهم إليه، وبهذا التقرير يصح أن يدعى في مثل هذا الحديث أنه نصف الإسلام، بل كله؛ لأن التكاليف إما أن تتعلق باللَّه سبحانه وتعالى أو بغيره، وهذا فيه بيانٌ لجميع ما يتعلق به تعالى صريحًا، وبغيره استلزامًا، على أن ذلك كله مفهومٌ من أول جملةٍ فيه، وهي: "احفظ اللَّه يحفظك".
وفيه أيضًا: التصريح بجملٍ مستكثرةٍ مما يتعلق بحقوق الآدميين، أشير إليها بذكر الصبر وما بعده، ولذلك أفرد الكلام عليه بتصنيفٍ مستقلٍّ.
(وفي رواية غير الترمذي) وهو عبد بن حُمَيْد في "مسنده" لكن بإسناد ضعيف (?)، ورواه أحمد، لكن بإسنادين منقطعين، ولفظه: "يا غلام، أو يا غُليم؛ ألا أعلمك كلماتٍ ينفعك اللَّه بهنَّ؟ " فقلت: بلى، فقال: "احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده أمامك، تعرَّف إلى اللَّه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت. . فاسأل اللَّه، وإذا استعنت. . فاستعن باللَّه، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيءٍ لم يقضه اللَّه. . لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيءٍ لم يكتبه اللَّه عليك. . لم يقدروا عليه، واعلم أن [في] الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا" (?).
وهذا أتم من حديث عبد بن حميد الذي ذكره المصنف بقوله: (احفظ اللَّه تجده أمامك) ومر الكلام على ذلك.
(تعرف) بتشديد الراء؛ أي: تحبَّب (إلى اللَّه في الرخاء) بالدأب في الطاعات، والإنفاق في وجوه القُرب والمثوبات؛ حتى تكون متصفًا عنده بذلك، معروفًا به.
(يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك، وجعله لك من كل ضيقٍ فرجًا، ومن كل همٍّ مخرجًا، بواسطة ما سلف منك من ذلك التعرف؛ كما وقع للثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى غارٍ، فانحدرت صخرةٌ فانطبقت عليهم، فقالوا: انظروا ماذا