وهذا من أبلغ العبارات وأوجزها، وأجمعها لسائر أحكام الشريعة قليلها وكثيرها، فهو من بدائع جوامع كلمه صلى اللَّه عليه وسلم التي اختصَّه اللَّه تعالى بها.

وقد مدح اللَّه تعالى الحافظين لحدوده فقال: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}، وخُصَّت أعمالٌ بالتنصيص على حفظها اعتناءً بشأنها فمنها: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} الآيات، وخبر: "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" (?)، وخبر: "احفظوا أيمانكم" أي: لكثرة الحنث فيها، وخبر: "الاستحياء من اللَّه حق الحياء: أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى" (?).

(احفظ اللَّه) بما مر (تجده تُجاهَك) أصله: وُجاهك بضم واوه وكسرها، ثم قُلِبت تاءً؛ كما في (تراث) وهو بمعنى أمامك كما في الرواية الآتية؛ أي: تجده معك بالحفظ والإحاطة، والتأييد والإعانة حيثما كنت، فتأنس به وتستغني به عن خلقه، فهو تأكيدٌ لما قبله؛ إذ هو بمعناه المستنبط من الآيات السابقة، وهذا من المجاز البليغ؛ لاستحالة الجهة عليه تعالى، فهو على حدِّ: {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فالمعية هنا معنويةٌ لا ظرفية (?).

وخُصَّ الأمام من بين بقية الجهات الست؛ إشعارًا بشرف المقصد، وبأن الإنسان مسافرٌ إلى الآخرة غير قارٍّ في الدنيا (?)، والمسافر إنما يطلب أمامه لا غير، فكان المعنى: تجده حيثما توجهت وتيممت وقصدت من أمر الدين والدنيا.

(إذا سألت) شيئًا، أي: أردت سؤاله (فاسأل اللَّه) أن يعطيك إياه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015