إذا تقرر ذلك. . ظهر وجه استشكال الجمع، وقد أجاب المحدثون عنه بأجوبةٍ كلها مدخولة، كما هي مبينة في شروح "ألفية الحديث" وغيرها.
وأقومها: أن ما قيل ذلك فيه: إن كان له سندان. . كان وصفه بالحسن من جهة أحدهما، وبالصحة من جهة الآخر، وحينئذٍ فما قيل فيه: (حسن صحيح) أقوى مما قيل فيه: (صحيح) لأن كثرة الطرق تقوِّيه.
وإن كان له إسنادٌ واحدٌ. . كان وصفه بهما من حيث تردد أئمة الحديث في حال ناقله؛ لأن ذلك يحمل المجتهد على أنه لا يصفه بأحد الوصفين، بل يقول: حسن؛ أي: باعتبار وصف ناقله عند قوم، صحيحٌ باعتبار وصفه عند آخرين، وغايته أنه حذف منه حرف التردد؛ لأن حقه أن يقول فيه: (حسن أو صحيح)، وعلى هذا: فما قيل فيه: (حسن صحيح) دون ما قيل فيه: (صحيح) لأن الجزم أقوى من التردد.
وبهذا يعلم أن قول الترمذي كثيرًا: (هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه). . لا ينافي الجواب المذكور، خلافًا لمن زعمه؛ لما علمت أنه إذا قيل ذلك في ذي إسنادٍ واحدٍ. . كان باعتبار اختلاف الأئمة في حال ناقله، أو في ذي إسنادين. . كان باعتبارهما.
وأشار المصنف رحمه اللَّه تعالى بقوله: (وفي بعض النسخ. . . إلخ) إلى أن نسخ "الترمذي" تختلف كثيرًا في التحسين والتصحيح، فقد يوجد عقب حديث في نسخةٍ (حسن) وفي أخرى: (حسن صحيح) وفي أخرى: (حسن غريب) وسبب ذلك: اختلاف الرواة عنه لكتابه والضابطين له.
ثم تحسينه لهذا الحديث مقدَّمٌ على ترجيح الدارقطني إرسالَه (?)؛ للقاعدة المقررة: أن المسنِد لزيادة علمه مقدمٌ على المرسِل.
وأما تصحيحه له في تلك النسخة. . فيوافقه قول الحاكم: (إنه على شرط الشيخين) لكن وُهِم بأن ميمونًا أحدَ رواته لم يخرج له البخاري شيئًا، ولم يصح سماعه من أحدٍ من الصحابة، فلم يوجد فيه شرط البخاري، ويؤيد تحسين الترمذي: