والمراد بالعلم المتوقف عليه ذلك: هو العلم العيني الذي لا رخصة لمكلفٍ في تركه، وهو تعلُّم ما أنت متلبِّسٌ به، فنحو الصلاة وشروطها وأركانها، والصوم وشروطه وأركانه يتعيَّن على كل مكلفٍ تعلُّمُ ظواهرها، وما يكثر وقوعه منها، وكذا الزكاة لمن له مال، والحج لمن استطاعه، ونحو البيع لمن أراد مباشرته، والنكاح لمن أراد الدخول فيه، ومعاشرة الزوجات لمن أراد تزوُّجَ امرأةٍ ثانيةٍ.
فمن علم ما خُوطب به عينًا، أو أراد التلبس به، ثم اجتنب كل منهيٍّ، وفعل كل مأمورٍ. . فهو المتقي الكامل: (الذي لا يزال يتقرب إلى اللَّه تعالى بالنوافل حتى يحبه. . .) الحديث (?).
ومن ثمَّ أخرج ابن حبان وغيره عن أبي ذر: قلت: يا رسول اللَّه؛ أوصني، قال: "أوصيك بتقوى اللَّه؛ فإنه رأس الأمر كله" (?)، وأبي سعيد الخدري قلت: يا رسول اللَّه؛ أوصني، قال: "أوصيك بتقوى اللَّه؛ فإنه رأس كل شيء" (?)، وفي رواية: "عليك بتقوى اللَّه؛ فإنها جماع كل خير" (?).
والترمذي: عن يزيد بن سلمة أنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا رسول اللَّه؛ إني سمعت منك حديثًا كثيرًا، فأخاف أن ينسيني أولَه آخرُه، فحدِّثني بكلمةٍ تكون جماعًا، قال: "اتق اللَّه فيما تعلم" (?).
ثم لما كان العبد مأمورًا بتقوى اللَّه في سره وعلانيته كما مر، مع أنه لا بد أن يقع منه أحيانًا تفريطٌ في التقوى؛ إما بترك بعض المأمورات، أو فعل بعض المنهيات، ومع ذلك لا ينافي وصفه بالتقوى كما دلَّ عليه نظم سياق آيات: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. . . إلى أن قال فى وصفهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ}. . . إلخ. . أمره بأن يفعل ما يمحو به ما فَرَط منه بقوله: (وأَتْبعِ السيئة)