لو رأى نفسه. . لسكن غضبه حياءً من قبح صورته، ولو كُشِف له عن باطنه. . لرآه أقبح من ظاهره؛ فإنه عنوانه الناشئ عنه.
واللسانِ بانطلاقه الناشئ عنه مع تخبط النظم، واضطراب اللفظ بالشتم والفحش وقبائح الكلمات التي يستحيي منها ذوو العقول والمروءات، حتى الغضبان إذا فتر غضبه.
والجوارحِ بالبطش بها ضربًا وغيره إن تمكَّن من المغضوب عليه، وإلَّا. . رجع غضبه عليه، فيمزق ثوبه، ويلطم وجهه، وقد يضرب يده بالأرض، وما عنده من الصغار والدواب، ويعدو عَدْوَ الواله السكران، أو المجنون الحيران، وربما قويت عليه نار الغضب، فأطفأت بعض حرارته الغريزية، فيغشى عليه، أو أعدمتها، فيموت لوقته.
والقلبِ بإكمان الحسد والحقد، وإضمار السوء والشماتة، وإفشاء السر، وهتك الستر، والاستهزاء، وغير ذلك من القبائح، وذلك كله حرامٌ يستوجب عليه عظيم العقوبة، وأليم العذاب.
فانظر كم تحت هذه اللفظة النبوية وهي: "لا تغضب" من بدائع الحكم، وفوائد استجلاب المصالح، ودرء المفاسد مما لا يمكن عدُّه، ولا ينتهي حدُّه، واللَّه أعلم حيث يجعل رسالاته.
كيف وقد تضمن أيضًا دفع أكثر الشرور عن الإنسان؛ لأنه في مدة حياته بين لذةٍ وألم، فاللذة سببها ثوران الشهوة لنحو أكلٍ أو جماعٍ، والألم سببه ثوران الغضب، ثم كلٌّ من اللذة والألم قد يباح تناوله أو دفعه كنكاح الزوجة، ودفع قاطع الطريق، وقد يحرم كالزنا، والقتل المحرم، فالشر إما عن شهوةٍ كالزنا، وإما عن غضبٍ كالقتل، فهما أصل الشرور ومبدؤها، فباجتناب الغضب يندفع نصف الشر بهذا الاعتبار، وأكثره في الحقيقة؛ فإن الغضب يتولَّد عنه القتل، والقذف، والطلاق، وهجر المسلم، والحقد عليه، والحسد له، وهتك ستره، والاستهزاء به، والحلف الموجب للحنث أو الندم؛ كما جاء في الحديث: "اليمين حنث أو ندم" (?) بل