بطينة الإنسان، فمهما نوزع في غرضٍ من أغراضه. . اشتعلت نار الغضب فيه، وفارت فورانًا يغلي منه دم القلب، وينتشر في العروق، فيرتفع إلى أعالي البدن ارتفاع الماء في القِدْر، ثم ينصبُّ في الوجه والعينين حتى يحمرَّا منه؛ إذ البشرة لصفائها كالزجاجة تحكي ما وراءها.
هذا إذا غضب على مَنْ دونه، واستشعر القدرة عليه، فإن كان ممن فوقه، وأيس من الانتقام منه. . انقبض الدم إلى جوف القلب، وكمن فيه، وصار حزنًا، فاصفرَّ اللون، أو من مساويه، الذي يشك في القدرة عليه؛ يتردَّد الدم بين انبساطٍ وانقباض، فيصير لونه بين حمرةٍ وصفرةٍ، فالغضب فوران الدم وغليانه كما مر.
وقيل: عَرَض يتبعه غليان دم القلب لإرادة الانتقام، ويؤيد الأول حديث أحمد والترمذي: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال في خطبته: " أَلَا إنَّ الغضب جمرةٌ تتوقَّدُ في قلب ابن آدم، أما ترون إلى انتفاخ أوداجه، واحمرار عينيه، فمن أحسَّ من ذلك شيئًا. . فليلزق بالأرض" (?).
وفي رواية: "فإذا أحسَّ أحدكم من ذلك شيئًا. . فليجلس ولا يعدو به الغضب" (?) أي: فليحبسه في نفسه ولا يُعَدِّيه إلى غيره بإيذائه (?)، والانتقام منه، ولاستحالة هذا المعنى في حقه تعالى كان المراد بالغضب في حقه تعالى إرادة الانتقام، فيكون صفة ذات، أو الانتقام نفسه، فيكون صفة فعل.
ومما يترتب على الغضب في حقنا من المفاسد تغيرُ ظاهر البدن بتغير لونه كما قررناه (?)، وشدة رِعْدة أطرافه، وخروج أفعاله عن حيز الاعتدال، واضطراب حركته وكلامه حتى تزبد أشداقه، وتنقلب مناخره، وتحمر أحداقه، وتستحيل خِلقته، حتى