وجهه، وطيب الحديث معه، وبالمبادرة بإحضار ما تيسَّر عنده من الطعام من غير كلفةٍ ولا إضرارٍ بأهله، إلا أن يرضوا وهم بالغون عاقلون، وقد بينتُ في الكتاب الآتي حديث الأنصاري المشهور (?)، الذي أثنى اللَّه ورسوله عليه وعلى امرأته بإيثارهما الضيف على أنفسهما وصبيانهما، حيث نَوَّمَتْهم بأمره حتى أكل الضيف (?).
والجواب عما اقتضاه ظاهره من تقديمهما ما يحتاج إليه الصبيان: بأن الضيافة لتأكدها والاختلاف في وجوبها مقدمةٌ، وبأن الصبيان لم تشتد حاجتهم للأكل، وإنما خشيا أن الطعام لو جِيء به للضيف وهم مستيقظون. . لم يصبروا عن الأكل منه وإن كانوا شباعًا على عادة الصبيان، فيشوشوا على الضيف، فنُوِّموا لذلك (?)، وهذا ظاهرٌ، خلافًا لمن توقف فيه.
والضيف لغةً: يشمل الواحد والجمع، مِن (أضفته وضَيَّفته): إذا أنزلته بك ضيفًا، و (ضِفته وتضيَّفته): إذا نزلت عليه ضيفًا.
ومعنى الحديث: أن من التزم شرائع الإسلام. . تأكَّد عليه إكرام جاره وضيفه وبرهما لعظيم حقهما، كما أعلم به صلى اللَّه عليه وسلم، وأكَّد على عظيم رعايته في أحاديث كثيرة، بيَّنتُها في كتابي "حقائق الإنافة في الصدقة والضيافة" فإنه جمع في ذلك من الأحاديث النبوية والأحكام الفقهية ما تقر به العيون، وينتفع به المتقون؛ إذ الصدقة لا سيما للجار والضيافة من مكارم أخلاق المؤمنين، ومن محاسن الدين، وسنن النبيين، ومن ثَمَّ قال صلى اللَّه عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" وقد مر، وفيه إشارة ما إلى ما بالغ به بعضُ الأئمة من إثبات الشُّفعة له.
ورُوي: أن إبراهيم صلى اللَّه عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وسلم كان يُسمَّى أبا الضيفان (?)، وكان يمشي الميل والميلين في طلب من يتغدَّى معه (?).