(المفارق) بقلبه واعتقاده، أو ببدنه ولسانه (للجماعة) المعهودين، وهم جماعة المسلمين؛ إما بنحو بدعةٍ كالخوارج المتعرضين لنا، أو الممتنعين من إقامة الحق عليهم المقاتلين عليه، وإما بنحو بغيٍ، أو حرابةٍ، أو صيالٍ، أو عدم ظهور شعار الجماعة في الفرائض، فكل هؤلاء تحلُّ دماؤهم بمقاتلتهم من أجل أنهم تركوا دينهم كالمرتد، لكنهم يفارقونه: بأنه بدَّل كل الدين، وهؤلاء بدَّلوا بعضه وإن كان كلٌّ منه ومنهم مفارقًا للجماعة.
فعُلم أن بين ترك الدين من أصله ومفارقة الجماعة عمومًا وخصوصًا مطلقًا؛ لأنه يلزم من الأول الثاني ولا عكس، وبين تركه لا من أصله ومفارقة الجماعة التساوي؛ لأنه يلزم من أحدهما الآخر، وأن هذا القسم الثالث؛ أعني التارك لدينه، المفارق للجماعة باعتبار ما قررناه فيه. . شاملٌ لِمَا عدا القسمين الأولين من كل من جاز قتله كتارك الصلاة، أو قتاله شرعًا بشروطه المقررة عند الفقهاء، وأن الحصر في الحديث حقيقيٌّ؛ إذ لا يشذُّ عنه شيءٌ بملاحظة ما قررناه، فاستفده ورُدَّ به على مَنْ زعم أن الحصر هنا غير حقيقيٍّ (?).
فإن قلت: يَرِدُ عليه خبر: "اقتلوا الفاعل -أي: اللائط- والمفعول به" (?) وأخذ به كثيرٌ كمالك وأحمد، فقالوا: إن اللواط يوجب القتل بكل حالٍ على المحصن وغيره.
قلت: لا يَرِدان؛ لدخولهما في الزاني؛ إذ حد الزنا شرعًا عندنا يشملهما كما يشمل الرجل والمرأة، وحينئذٍ فيستفاد من الحديث اشتراط الإحصان فيهما، ونحن نقول به في اللائط، وأما الملوط به. . فلا يقتل عندنا مطلقًا؛ إذ لا يتصور الإحصان منه بالفرج الملوط به؛ لاستحالة إباحته بنكاحٍ صحيحٍ.
وذهابُ جمعٍ إلى قتل مَنْ تزوج زوجة أبيه ولو غير محصن، وقتل الساحر، ومن