(تركه ما لا يعنيه) (?) بفتح أوله، من (عناه الأمر): إذا تعلَّقت عنايته به، وكان من غرضه وإرادته، والذي يعني الإنسان من الأمور: ما يتعلَّق بضرورة حياته في معاشه مما يشبعه من جوعٍ، ويُرويه من عطشٍ، ويستر عورته، ويُعف فرجه، ونحو ذلك مما يدفع الضرورة، دون ما فيه تلذذٌ واستمتاعٌ واستكثارٌ، وسلامتِهِ في معاده، وهو الإسلام والإيمان والإحسان على ما مر بيانه، وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه، فإذا اقتصر على ما يعنيه. . سلم من سائر الآفات، وجميع الشرور والمخاصمات، وكان ذلك من الفوائد الدالة على حسن إسلامه، ورسوخ إيمانه، وحقيقة تقواه، ومجانبته لهواه؛ لاشتغاله بمصالحه الأخروية، وإعراضه عن أغراضه الدنيوية الشهَوية، من التوسع في الدنيا، وطلب المناصب والرياسات، وحب المحمدة والثناء، والفضول في الكلام والأفعال المباحة، وغير ذلك مما لا يعود عليه منه نفعٌ أُخروي؛ فإنه ضياعٌ للوقت النفيس، الذي لا يمكن أن يعوض فائته فيما لم يُخلَق لأجله.
فمَنْ عبد اللَّه تعالى على استحضار قربه من اللَّه تعالى، أو قرب اللَّه تعالى منه، ومشاهدته ذلك بقلبه. . فقد حسن إسلامه كما مر، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام، ويشتغل بما يعنيه منه، ويتولَّد من هذين الاستحياءُ من اللَّه تعالى، وتركُ كل ما يستحيى منه.
وروى الترمذي وغيره مرفوعا: "الاستحياء من اللَّه تعالى أن يحفظ الرأس وما حوى، ويحفظ البطن وما وعى (?)، وليذكر الموت والبلى، فمن فعل ذلك. . فقد استحى من اللَّه تعالى حق الحياء" (?).