الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآيةَ، نزلت -كما في "البخاري"- لمَّا أكثروا عليه صلى اللَّه عليه وسلم السؤال تعنتًا واستهزاءً، كقول بعضهم: مَنْ أبي؟ أين ضلَّت ناقتي؟ (?)
وجاء من غير وجهٍ أنها نزلت لمَّا سألوه عن الحج وقالوا: أفي كل عام؟ (?)
وفي روايةٍ: أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وهو غضبان محمَرٌّ وجهُه، حتى صعِد المنبر، فقام إليه رجلٌ فقال: أين أبي؟ قال: "في النار" فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" وكان الناس يسبونه وينسبونه لغيره، فجثا عمر على ركبتيه واعتذر عنهم حتى سكن غضبه (?)، فنزلت نهيًا لهم أن يسألوا -كما سألت النصارى في (المائدة) فأصبحوا بها كافرين- ومعلمةً لهم بأنهم ينتظرون نزول القرآن، فإنهم لا يسألون عن شيءٍ إلا وجدوا تِبيانه، قاله ابن عباس (?).
ومعناه: أن جميع ما يحتاج إليه من الدين لا بد أن يبين في القرآن ابتداءً من غير مسألةٍ، وحينئذٍ فلا حاجة للسؤال، سيما عمَّا لم يقع، وإنما المحتاجُ إليه فهمُ ما أخبر اللَّه تعالى به ورسوله، ثم اتباعه والعمل به، كما أشار إليه صلى اللَّه عليه وسلم بقوله في حديث مسلم السابق: "إذا نهيتكم عن شيءٍ. . . إلخ" (?) بخلاف من صرف همته عند سماع الأمر والنهي إلى فرض ما قد يقع وقد لا، فإنه مما يثبط عن الجد (?) في امتثال الأمر والنهي.
والحاصل: أنه لا مانع من تعدُّدِ سبب النزول، وأن منه ما يسوء السائل جوابه، مثل: هل هو في الجنة أو النار؟ وهل أبوه من ينسب إليه أو غيره؟ وما كان منه على وجه التعنت والعبث والاستهزاء، كما كان يفعله كثير من المنافقين وغيرهم، وما كان فيه سؤال آية واقتراحها على وجه التعنت، كما كان يسأله المشركون وأهل الكتاب.