{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} , {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} الآيتينِ ونحوهما.

وبما تقرر: علم أنه لا يحتاج إلى قول من قال: إن كراهة المسائل وقتها مختصٌّ بزمنه صلى اللَّه عليه وسلم؛ لما يُخشى حينئذٍ من تحريمٍ أو إيجابٍ يحصل به مشقة، وهذا أُمن بوفاته صلى اللَّه عليه وسلم.

واعلم: أن الناس انقسموا في هذا الباب: فمنهم مَنْ سدَّ بابها حتى قلَّ فهمه وعلمه بحدود ما أنزل اللَّه، وصار حامل فقهٍ غير فقيه، وهم من أتباع أهل الحديث.

ومنهم من توسَّع في البحث عما لم يقع، واشتغلوا بتكلُّف الجواب عنه، وكثرة الخصومة فيه، والجدال عليه، حتى تفرقت قلوبهم، واستغرقها بسببه الأهواء والشحناء، والعداوة والبغضاء، ويقترن ذلك كثيرًا بنية المغالبة، وطلب العلو والمباهاة، وصرف وجوه الناس إليهم، وهذا مما ذمَّه العلماء، ودلَّتِ السُّنَّةُ على قبحه وتحريمه كما مر.

وأما فقهاء الحديث العاملون به. . فوجَّهوا همَّتهم إلى البحث عن معاني القرآن والسنة، وكلام الصحابة والتابعين، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السُّنة، والزهد والرقائق، ونحو ذلك مما فيه صفاء القلوب، والإخلاص لعلام الغيوب، جعلنا اللَّه تعالى منهم بمنه وكرمه (?).

(رواه البخاري ومسلم) وهو حديث عظيم من قواعد الدين وأركان الإسلام، فينبغي حفظه والاعتناء به، لكن مسلم ذكره في بعض طرقه مطولًا؛ ولفظه: عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس؛ قد فرض اللَّه تعالى عليكم الحج فحُجُّوا" فقال رجلٌ: أكل عامٍ يا رسول اللَّه؟ فسكت حتى قالها مرارًا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "لو قلتُ: نعم. . لوجبتْ، ولما استطعتم" ثم قال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015