المتأخرون، ولم يخض في شيءٍ منها السلفُ الصالحون، ومن ثَمَّ اختار الغزالي وغيره في العوام الذين لا أهلية فيهم لفهمها أنهم لا يخوضون فيها؛ أي: يحرم عليهم ذلك إن خافوا منه تمكُّنَ شبهةٍ منهم يعسر زوالها من قلوبهم.
مر أن الأظهر أن الإيمان والإسلام متلازما المفهوم (?)، فلا ينفك أحدهما عن الآخر وإن اختلف المفهومان، أو مترادفان، فلا يوجد شرعًا إيمانٌ من غير إسلامٍ ولا عكسه كما مر عن أهل الحق، وأن الإسلام يطلق على الأعمال شرعًا، كما يطلق على الانقياد لغةً وشرعًا، وأن الإيمان يُطلق عليها شرعًا باعتبار أنه يتعلق بها.
إذا تقرر ذلك. . فحيث ورد ما يدل على تغايرهما؛ كما في هذا الحديث وقولِهِ تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} الآيةَ؛ فهو باعتبار أصل مفهومهما، فأصح التفسيرين ما قاله ابن عباس وغيره: أنهم لم يكونوا منافقين، بل كان إيمانهم ضعيفًا (?)، ويدل عليه: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى آخره الدالُّ على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم، وحينئذٍ يؤخذ من الآية أنه يجوز نفي الإيمان عن ناقصه.
ومما يصرح به: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (?)، وفيه قولان لأهل السنة: أحدهما هذا، والثاني: لا ينفى عنه اسم الإيمان من أصله، ولا يطلق عليه مؤمن؛ لإيهامه كمال إيمانه، بل يقيد، فيقال: مؤمنٌ ناقصُ الإيمان.
وهذا بخلاف اسم الإسلام؛ لأنه لا ينتفي بانتفاء ركني من أركانه؛ بل ولا بانتفاء جميعها ما عدا الشهادتين؛ وكأن الفرق: أن نفيه يتبادر منه إثبات الكفر مبادرةً ظاهرة، بخلاف نفي الإيمان.