ومن روى أن جبريل إنما سأل عن شرائع الإسلام لا عن الإسلام. . فقد وهِم؛ لأن هذا لم يصح عند أحدٍ من أئمة الحديث.
(فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم) مجيبًا له عن ماهية الإسلام وحقيقته، مبادرًا من غير استفسارٍ عن أن السؤال عن ذلك أو عن شروطه أو أركانه أو غيرهما من لواحقه، إشارةً إلى أن للمسؤول من مفتٍ وغيره أن يجيب على ما فهمه بالقرينة؛ إذ هي كالنَّصِّ، فجاز الاعتماد عليها سؤالًا وجوابًا، ومن ثَمَّ لو قيل لمفتٍ: أيجوز كذا؛ فأشار بما يشار به كـ (نعم). . جاز الاعتماد على أنه أفتى بالجواز (?).
(الإسلام) هو لغة: الطاعة والانقياد، وشرعًا: الانقياد إلى الأعمال الظاهرة؛ كما بيَّن ذلك صلى اللَّه عليه وسلم بقوله: (أن تشهد أن) مخففة من الثقيلة (لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه) ظاهره -إن لم يحمل (تشهد) على (تعلم) بدليل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} -: أنه لا بد في الإسلام من لفظ: (أشهد) بأن يقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه.
فلو قال: (أعلم) بدل: (أشهد)، أو أسقطهما فقال: (لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه). . لم يكن مسلمًا، وتوافقه رواية: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا. . . " الحديث (?)، وهو ما اعتمده بعض المتأخرين منَّا، ويؤيده أن الشارع تعبَّد بلفظ: (أشهد) في أداء الشهادة، فلا يكفي (أعلم) ونحوها وإن رادفت (أشهد) أي: في إفادة مطلق العلم، لا مطلقًا، لأن الشهادة أخصُّ منه، فكل شهادةٍ علمٌ، ولا عكس، واستدل له بكلام "الروضة" في الكفارة (?).