فلا تجب في عبادةٍ لا تكون عادةً ولا تلتبس بغيرها (?)؛ كالإيمان باللَّه سبحانه وتعالى، والمعرفة، والخوف، والرجاء، والنية، والقراءة، والأذكار، حتى خطبة الجمعة على الأوجه؛ لتميُّزها بصورتها مع لزوم التسلسل أو الدور لو توقفتِ النيةُ على نية، ولزوم التناقضِ المحالِ لو توقفتِ المعرفةُ عليها؛ إذ هي قصد المنوي، ولا يقصد إلا ما يعرف، فيلزم أن يكون الإنسان عارفًا باللَّه تعالى قبل معرفته له، فيكون عارفًا به غير عارفٍ به في حالةٍ واحدةٍ.
نعم؛ تجب في قراءةٍ نَذَرها ومثلها كما هو ظاهرٌ كل ذِكْرٍ نذره؛ ليتميز الفرض حينئذٍ من غيره، ولا تجب في التروك؛ كترك الزنا إلا لحصول ثواب الترك (?)؛ لأن القصد اجتناب المنهي، وهو حاصلٌ بانتفاء وجوده وإن لم تكن نية.
ولتردد إزالة النجاسة بين الفعل والترك اختلفوا في اشتراطها فيه، ورجَّح الأكثرون عدمه تغليبًا لمشابهة التروك؛ إذ هي أقرب إليها منها إلى الفعل، وألحقوا به غسلَ الميت؛ إذ القصد منه التنظيف، والخروجَ من الصلاة؛ لأنه تركٌ أيضًا، ولا تجب نيةُ تفرقةِ صومِ نحو التمتع (?).
واستشكل بنية الجمع في جمع التقديم، ومن ثَمَّ اختار البُلقيني عدمَ وجوبها فيه أيضًا، ويرد: بأن الجمع ضم إحداهما إلى الأخرى، فهو فعلٌ حقيقة، بخلاف التفريق؛ فإنه تركٌ حقيقةً، أو أقرب إلى الترك، فاتضح ما قالوه، وبطل ما اختاره.
وإنما لم تجب في جمع التأخير؛ لأن وقت الثانية يصلح للأولى من غير عذرٍ، بخلاف عكسه، وعند عدم الصلاحية لا بد من نيةٍ تُميزه عن التلاعب.
ومطلق النية في كلامه صلى اللَّه عليه وسلم وكلام السلف والعارفين يُراد بها غالبًا