وانتقل أهل الجبل إلى جبلة طائعين بعد العصيان، مصافحين بالمصافاة بالأيمان أهل الايمان.
وكان حصن بكسراييل قد تسلم من قبل واتصل بفتحه الجبل، فرتب فيه من حكم على ذلك الجانب وأهله، وكانوا لقاضي جبلة مذعنين، بإيمانه مؤمنين، ولدعائه ملبين، ولبقائه محبين. ونجوا من العار والتبار، وضيم الكفار، وتناجوا بالاستبصار والاستنصار، والاستغفار والاستنفار، وآضت تلك الولاية لإحسانها
والية، وتلك الناحية على سكانها حانية، وتلك المدينة لأهل الدين دائنة دانية، وتلك الجنة العذبة الجنى لورد دم الجناة من شوك القناجانية. وتلك البنية لمعالم المعالي في هدم أساس الإساءة بانية، وتلك الهضبة راسية، والتربة كاسية، والرتبة سامية، والربوة رابية، والذروة عالية، والحالة حالية.
وأقام السلطان بها أياما حتى أزال شعثها، وأزاح خبثها، ورأب صدعها، ورب ربعها، وشاد ركنها، وشد حصنها، وجب كفرها، وجبر كسرها، وجد بها جدبها، وخص بها خصبها. وبالعدل عمرها، وبالفضل غمرها. وبالرعاية ملأها، وللرعية كلأها. وبجل قاضي جبلة وشرفه، وحبس عليه ملكا نفيسا ووقفه، وصرفه في أملاك آبائه، وحكمه في ولاية حكمه وقضائه.
ورحل ثالث عشري الشهر يوم الأربعاء، منشور اللواء، منصور الأولياء، ومشكور المضاء، عالي القدر قادر العلاء. ناجح الآراب راجح الآراء. وسار برعب إلى العدو يقدمه، وعزم على الغزو يصممه، وأمر بأمراء الأحكام يحكمه. وجد على تدبير الدين يقفه، وحد في تدمير الماردين يرهفه. وسعادة تؤيده، وتأييد من الله يسعده. وسطوة على الكفار يرسلها، وجذوة في أهل النار يشعلها. وجيش للوثبات ينشطه، وجأش للثبات يربطه. وهيبة تروع الخواطر، وهيئة تروق النواظر.
وبتنا تلك الليلة بالقرب من اللاذقية معرسين، وبات الكفرة مبلسين. قد لاذوا من حصن اللاذقية بجبل عاصم، وعروة كل قلب لهم من الرعب في يد فاصم. والخوف عليهم مستول، والذعر فيهم مستعل. والأفئدة منهم خافقة، والأندية بهم متضايقة، والمهج في سوق الردى نافقة. ونحن طول الليل من السوابغ في جر الذيل، ومن السوابق في إجراء الخيل. ومن نشاط العزم في اهتزاز، ومن احتياط
الحزم في احتزاز. ومن انتخاب الاجواد والجياد في انتخاء، ومن انتقاد العتاق والرقاق في انتقاء، ومن انتهاض الرياح بالهواضب في انتهاء، ومن اقتضاب الأرواح بالقواضب في اقتضاء، والمقربات تسرج والسريجيات تقرب، والمقانب تكتب والكتائب تقنب. والصوارم تنتضي، والصرائم تقتضي. والقوارح تضمر، والقرائح تخمر. والضوامر تجري،