متين، ومكان قربي مكين. ومما قلت له وأوضحت له يبله إنا كنا بطاعة أمير المؤمنين نطول ونصول، ونزاول بها الملوك وعنها لا نزول. وهذه فضيلتنا التي رجحت، ووسيلتنا التي نجحت. وكنا بها مسعودين، وعليها محسودين. وقد شملت بها بركاتها، وكملت حسناتها. وصفت مشارع يمنها، وصفت مدارع حسبها. فلا نلتفت إلى من يلفتك، ولا تتثبت لمن لا يثلتك. وأعرض عمن تعرض لمذهب الخلاف، وانهض لمن ينهضك للائتلاف. فقال هذا ديني وديدني، وبه أعني واعتني، ولنوره ونوره أجتلي واجتني.
ثم ندب مع أخي من سار في خدمته لزيارة القدس، وأمر بأن يقف به على مواقف الطهر التي طهرت من أهل الرجز والرجس، ثم ودعه وتودعه من شفاهه كل ما في النفس. وبالغ في إبداء التضرع والتذوع، وإظهار التخشي والتخشع.
وأنشأت عنه إلى الديوان كتبا معه وبعده، ضمنتها كل ما حلا وجلا جدة وجدة. وكل ما يبطل سوق المتفقين، ويعطل نفاق المتسوقين، ويهجن خلق المختلقين، ويزيل تلفيق الساعين، ويزيح سعاية الملفقين. ويتعرف إلى العوارف الغزر بالشكر، ويستعطف العواطف الغر بالعذر. ويجتهد في استفراغ المجهود للاستغفار. وينفض عن وجه البشر ما عليه من الغبار. وظهرت بعد ذلك بالقبول آثار الرضى، ومضى ما مضى. وقضى القدر من إعزاز الديوان قدر السلطان بما قضى.
وفي هذه السنة استشهد الأمير (شمس الدين بن المقدم) بالموقف في عرفه، لإبداعه رسما ما عرفه. فذهب غلطا، وعطب فرطا. وذلك أن أمير الحاج (طاشتكين) أنكر عليه ضرب الطبل فامتنع، فندب إليه من به وبأصحابه أوقع.
فتمت من هذه الفتنة فترة ونمت قفرة. ولما نمى الخبر إلى السلطان؛ لم يبد منه سوى الإذعان. وقال لا شك أن طاشتكين طاش، وقصد بعد الإيناس الايحاش. وعد الديوان العزيز عزله هذا من ذنوب طاشتكين حتى عزله واعتقله بجرائمه بعد سنين.
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي ضاعف الله علاءه، وظاهر آلاءه، وضافر نعماءه وأظفر بالنجح رجاءه، وأضعف حساده وأعز أولياءه، وأذل أعداءه. ولا زالت أيامه بالأيامن مسفرة، ولياليه بالمحاسن مقمرة، ومكارمه بالمحامد مثمرة، وعهود مواليه بشكر النعم محكمة ومعاهد معاديه بقهر النقم مقفرة. دالة على البشرى بالفتح الأكبر، والنجح الأزهر، والنصر الأشهر، والعصر الأبهر، والفضل الأكثر، والإفضال