وتوافد إليه بنو أخيه في الجنود، وتوافوا نجدة ساعات بالسعود. وأمد الأخ الملك الظاهر من حلب بالإمداد المتظاهرة، والأنصار المتناصرة. وندب الخادم أخاه الظافر خضرا وأنهضه، وسار معه عسكره الذي بدمشق عرضه.
وسمع الأخ الملك العزيز خبر القوم؛ وأنهم من حول ورد الردى على الحوم؛ فأخرج المضارب وأبرزها، وانفق في العساكر وجهزها، وذكر عدة النجدة فانجزها، واهتبل فرصة الفريضة وانتهزها، وأقبل على ذخيرة الفضيلة فاحرزها، وتحركت السواكن، وثارت الكوامن. وهاجت الأقطار وماجت البحار، وشابت الاكدار، وأصابت الأقدار. وأظهر الله قبل الاجتماع معجز آياته في أهل الشمات، وخص جمعهم بالشتات، وحبلهم بالبتات، وحص من تلك الثبات أجنحة الثبات. وشغل كلا منهم بوباله وباله، وحطه من يفاع اعتلائه إلى حضيض اعتلاله.
وأعادهم على أعقابهم ناكصين، وبعقابهم ناكسين، وفي آرائهم وآرابهم ناقصين. وأظهر الله في كل واحد من إعداد الأعداء آية للعادة خارقة، وقدرة لإقدار الأولياء
للسعادة خالقة. وقتلهم وما قاتلوا، وقابلهم وما قابلوا. وغادر الغادرين عبرة للمعتبرين، وعظة للمتفكرين.
وعلم صاحب ماردين إنه أخطأ وما أصاب، فأبان عن ندمه وأناب. وتعرض للعفو عنه وتضرع، وتشفع بالأمراء في أمره وتذرع. فأبديت له صفحة الصفح، وعادت له بعد عادية الخسر عادة الربح، وأجرى على القاعدة المستقرة له في عهد الوالد رحمة الله عليه، فرضوا بما فرضوه من الطاعة وثابوا إليه.
وكان الأخ الملك الظافر خضر قد وصل إلى الفرات، حين حكم الله لجموع أولئك بالشتات. فعبر إلى سروج يوم السبت ثامن رجب، وقلب العدو من الفتح الذي وجب وجب. وفتحها يوم الأحد ضحوة، وجاءت هذه المنحة من الله حظوة. ورحل الملك العادل بالعساكر إلى الرقة، لاسترجاع وديعتها المستحقة.
وهذه ببركات استمرار العبيد على طاعة المواقف المقدسة، وبيمن الائتمار بأوامرها، وسفور الوجوه لمواجهة سوافرها. وما السعادة إلا لمن شملته سعودها، وما الجد إلا لمن وصله جودها، وما الكرامة إلا لمن كرمت عنده بالوفاء عهودها؛ وما العصمة إلا لمن لزمت في حمده النعماء عقودها.
وإقليم اليمن مستقر للملك ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي السلطان. وهو هناك سلطان عظيم الشان، مستول على جميع البلدان، مختص في مكانه بالإمكان. وكان قد وصل ولده مع الحاج قبل وناة السلطان بأيام، فلم يظفر بمرام. ووصل كتابه إلى أخيه، وهو غير عالم بتوفيه. فلما استقر الملك الأفضل على سرير أبيه كاتب عمه سيف الإسلام بغمه، وهم في كتابه بما كتب الله من همه. والكتاب بإنشائي عن الملك الأفضل يشتمل على شرح ما ألم، وخص به الرزء وعم.