الله المقدس مع الإسلام على ممر الدهور. ولا يبقى عليه لمسلم فزع، ولا فيه لكافر طمع. ولو عاش (بخت نصر) لعرف عجزه، وسلب عز الإسلام عزه. ورأى من المعجزات ما حيره، وقهقر عن البأس الذي إن ثبت له قهره.

فسبحان الذي أقدر السلطان على ما أعجز عنه الملوك، وهداه من الفضل إلى نهج ضلوا فيه السلوك.

ذكر الحوادث مع الفرنج في هذه السنة

رحل الفرنج يوم الثلاثاء ثالث المحرم من الرملة إلى عسقلان، ونزلوا يوم الأربعاء بظاهرها، وتشاوروا في إعادة عمائرها، وكان سيف الدين يازكوج وعلم

الدين قيصر والأسدية نازلين في بعض أعمالها، مجدين في نقل غلالها. وركب ملك الانكتير عصر يوم الخميس، ومعه حزبه من جند ابليس. فشاهد دخانا على البعد، وما عرف ما عنده من العسكر المعد فساق متوجها إلى تلك الجهة وجد، وتبعه عسكره وامتد. فما شعر أصحابنا إلا بالكبسة وقد بغتت فما ارتاعت قلوبهم بل ثبتت. وذلك وقت المغرب وهم مجتمعون على الإفطار، فارغة الأفكار من شغل الكفار.

وكانوا نازلين في موضعين، مقيمين في منزلين، فلم ير العدو إلا أحد القسمين. فقصده بحزبه، وأطلق عنانه لحربه. فعرف القسم الآخر هجوم العدو؛ فهجروا مهاد الهدو، وركبوا إلى العدو. فدفعوه حتى ركب رفقاؤهم المقصودون، واجتمعوا وهم المسعودون. وردوا العدو شوطا، وصبوا عليه من عذاب القراع سوطا. ثم تكتثر الفرنج عليهم وتواصلوا وسبقوا إليهم، فاندفعوا من بين أيديهم، والفرنج تباريهم. وساقوا أثقالهم قدامهم، وقد ثبت حفظهما على الأقدام أقدامهم. وما فقد من أصحابنا ممن عرف إلا أربعة، ونجا الباقون وخواطرهم لأجل أولئك متوزعة، وكانت نوبة عظيمة دفع الله خطرها، وهون ضررها.

وبتاريخ الثلاثاء عاشر المحرم، ركب السلطان على عادته في نقل الحجارة والجد في العمارة. ومعه الملوك أولاده والأمراء، والقضاة والعلماء، والصوفية والزهاد والأولياء. وخرج كل من بالبلد، وجاء المدد بعد المدد. وهو قد حمل على سرجه، واستوى في نهجه. والناس ينقلون معه على خيواهم في قفافهم وذيولهم.

ولما دخل الظهر نزل في خيمة ضربها ولده الملك الظافر بالصحراء، وأحضر فيها السماط لمن يدعوه من الأمراء. فحضر على ذلك السماط، وأحضر طعام مطابخه وبسطه على ذلك البساط. وكنت قد مضيت فردني، وبتقريبه أمدني. فلما فرغ وفرغنا، وبلغ مراده وبلغنا، صلى هناك الظهر وركب عائدا إلى داره، آيبا

بإيثاره وحسن آثاره، فائزا بسرور أسراره وخير اختياره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015