وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنة؛ كتبت منشور حسام الدين سياروخ النجمي بولاية القدس.
وكانت ولاية القدس مذ يسر الله فتحه؛ وحقق للأمل فيه نجحه؛ واطلع لليل النصر صبحه؛ إلى الفقيه ضياء الدين عيسى مفوضة، وصعاب أعماله وشعاب أحواله بندرة آرائه ونصرة آلائه مروضة. وقد استناب فيه أخاه (الظهير) ظهيرا، ولم يزل رواؤه وبهاؤه به شهيا شهيرا؛ إلى أن استشهد في شعبان سنة خمس وثمانين، وتوفي الفقيه عيسى في ذي القعدة منها وانتقل إلى عليين. فأبقى السلطان نوابه من بعده، محافظة على عهده.
وكان الأمير سياروخ بالقدس مقيما، وللنظر في مصالحه مستديما. ويضم من أمره ما يراه منشورا، وكتبت له في التاريخ المذكور باستقلاله منشورا.
الحمد لله الذي أقصى من المسجد الأقصى من داناه من الكفر ودنسه، ونزه البيت المقدس من رجس أعدائه المشركين بأيدي أوليائه الموحدين وطهره وقدسه، وأنطق محرابه ومنبره بتلاوة الذكر المبين وأسكت الناقوس وأخرسه، نحمده على
ما عصمه من الحوزة وحرسه، وفرجه من الشدة ونفيه. ونسأله أن يصلي على نبيه محمد المصطفى الذي شرع الدين وشرحه؛ ومهد الشرع وأسسه، وبطل الكفر وعطله؛ وأرغم الشرك وأتعسه، وعلى آله وأصحابه الذين أعلى الله بهم منار الحق وأضفى ملبسه، وأصفى مورده؛ وأزكى مغرسه. وبعد:
فإنا منذ فتح الله لنا بيته المقدس، وخفض بإعلاء أعلامنا راية الكفر ونكس؛ وكسا بأيامن أيامنا وجه الدين البشر من بعد ما كان تعبس؛ وخصنا بفضيلة فتحه؛ وجعل لنا به الحظ الأجزل؛ الأفضل الأكرم الأنفس؛ ما نزال نطلب وليا لله يكون له وليا، ويعود عاطله بتأثير إحسانه وحسن آثاره وإيثاره حاليا، ويرجع بنظره الشافي وتدبيره الكافي ما انخفض من منار الهدى عاليا. ولا يزال على بال منا أن نحيي به من رسوم الإيمان، ونجدد من معالمه ما ظل بمقام أهل الضلال فيه دارسا باليا.
وقد اختبرنا الأمير حسام الدين فألفيناه لأهلية هذه الولاية جامعا؛ وإلى مضمار السبق في هذه المكرمة مسارعا. ووجدناه بأعباء الأمانة ناهضا، ولزبد المناصحة والصحة فيه ماخضا ماحضا. فاستخرنا الله تعالى وعولنا عليه في ولاية مدينة القدس وأعمالها، وعذقنا برأيه الراجح وسعيه الناجح مهام أشغالها، وحكمناه في تحصيل مصالحها، وتسهيل مناجحها، وسداد ثغرها، وسداد أمرها. ورعاية أمورها، وعمارة حريمها وسورها. وتطويل باع ساكنها، وتأهيل رباع أماكنها، وإسكان مواطنها، وتوطين مساكنها، وتطهيرها من ادناس أدنى الناس، وتعميرها بالعدة والعمدة والشدة والقوة والبأس.
فليتول ذلك بقوة ناهضة ونهضة قوية، وروية مبصرة وبصيرة روية.
وليستشعر تقوي العل التي تقوى بها العزائم، وتتوفر منها المحامد وتكمل المكارم. جاريا على مقتضى الشرع في كل ما يحله ويعقده، ويقدره ويمده، ويصدره
ويورده، والله عز وجل يوفقه ويسعده ويعضده.