وكان رحيلهم مستهل شعبان وملك انكتير قائدهم إلى البوار، ووافد أهل النار إلى النار، ولقيناهم من بواترنا بواتر التبار. وقد رحلنا في عراضهم اعتراضهم،

وتعثيرهم في طريق انتهاضهم. ولقوا يوم رحيلهم من اليزكية الزكية كل نكاية فيهم شديد، وكل روعة لهم مبيدة. فإنهم قطعوا ساقة العدو عن اللحاق بمقدمته، وقلوا عن الحدة حد عزمته. وقتلوا خيلا وخيالة، وفوارس ورجالة. وقدروا وتمكنوا، وجرحوا فأثخنوا. وتهبوا وسلبوا وأخذوا رءوسا قطعوها، ووقذوا نفوسا قلعوها، وغنموا أقمشة وأسلحة، وحصوا من اللاحقين بهم قوادم وأجنحة.

ونزلوا على نهر حيفا وقد تم عليهم الحيف، وتحكم في فلهم السيف. فأقاموا إلى هذه الغاية لمداواة جريحهم، ومواراة طريحهم، وإراحة طلبحهم وإثارة ما ركد من ريحهم، وقد رحلنا وسبقناهم إلى طريقهم، عازمين على تبديدهم وتفريقهم، وتشتيتهم أيدي سبا وتمزيقهم. فقد تمكنت بتأييد الله أيدي الأيد من سبيهم وقتلهم، والله يجمع شملنا لتفريق شملهم.

وما يجدده الله لنا بعد هذا اليوم من غبطة؛ ولأعدائنا من عبطة، وإلا ونبادر ببشراه إلى المجلس لتقوى في نصرتنا عزيمته، وتشيم بارق التوفيق في مواقفنا شيمته، وتروض مواحل الآمال مع أوان الديمة الربيعية ديمته، ويغلو في سوق رواجه من الدين ما ظن إنه رخصت قيمته. وكيف لا يأخذ ذلك الكريم بثار الإسلام وقد سبيت من عكاء كريمته. وإذا تأمل عرف أن الخطب عظيم، وما لدفعه إلا العظيم، والهم مقيم، وما لرفعه إلا بأسه المقعد المقيم، وسيقضي دين الغريم الزعيم.

وقعة قيسارية

وفي غدوة الاثنين تاسع شعبان، جاء من أخبر برحيل الفرنج السلطان. وأنهم سائرون ثائرون، وعلى أجنحة الجرد طائرون، وحول رجالتهم بخيلهم دائرون. وهم في جمع لهام، وقد انقسموا ثلاثة أقسام. كل قسم راجله بخيله محفوظ، وبأعين القسمين الآخرين من خلفه وقدامه ملحوظ.

وكان السلطان تقدم من الليل، بركوب الخيل. فركب في كل خواض للغمرات؛ فياض بالعومات، رواض لجامحات، نهاض بالجانحات. ملتثم في حومة أوغى، مضطرم بجمرة الظبا. على نزائع ينقلن الردى على صهواتها، وصواهل يقذفن الحمام من لهواتها، ويكشف الظلام بجبهاتها، ويبارين الصفاح بصفحاتها، وتعاسل الرماح بأعناقها وطلائها.

وفيهم من رجال الحلقة المنصورة كل سابق إلى المنون على سابق، وكل نائق إلى المازق مازق. وكل طائر في الغبار على سابح وكل غابق بالنجيع صابح. في عراب متمطية بالعراب، ورقاق متخطية إلى الرقاب. وسار العدو وسرنا نبريه ونباريه، ونجتري عليه ونجاريه. والجالشية ترمى وتدمى، وتصمم وتصمى. وطيور السهام تقصد من الأحداق أوكارها، والأوتار تنشد بالأنان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015