بظهورها، وسفرت وجوه النصر بسفورها، فأحجم الكفر بإقدامها، وانتظمت أحداق المشركين في عقود سهامها، وخيمت مضارب المضاء بمضارب خيامها، وفض بالفضاء ختام قتامها. وما أشكر الدين والإسلام لعزائم عماده وغياثه، وأبعث إمداد الظفر لاهتزاز نصل نصره وانبعاثه.
قد عرف أن العدو قد احتشد بجميع ملوكه، وغصت مسالكه وطرقه بطوارق سلوكه. وهو حديد الشوكة، شديد الشكة. قد لج في حصر الثغر ونصب آلاته، وركب عليه منجنيقاته. ووالى الضروب من الضرب، وأخذ منه مواضع في النقب. وقد أشفى على خطر عظيم، وخطب جسيم. وإذا لم يصل في هذا الوقت فمتى، ومن أتى في غير الوقت المحتاج إليه فما أتى. وهذا أوان رفض التواني، ونهوض المسلمين من الأقاصي والأداني. والوصول يكل ما يقدر عليه من العسكر، والظهور لمظاهرة المسلمين بالعزم الأظهر والجد الأوفر. وهذا يوم الحاجة واوان الضرورة، والنهوض بعسكره إلى نصرة عساكرنا المنصورة. فلا يجنح إلى عذر فللأعذار أوقات، ولا يلتفت إلى غير هذا المهم الذي ليس للمسلمين إلى سواه التفات. وكيف يتأخر عن هذا الموقف الكريم وهو كريم، ويتقاعد عن هذا المقام العظيم وهو عظيم.
كان قد خرج مذ أيام رسول، وسأل أن يكون له إلى السلطان وصول. فاجتمع به الملكان العادل والأفضل، قالا له: لا يمكن لقاء السلطان لكل من يرسل. وما كل مقصود عليه يعرض، ليعلم في الأول هل هو مما يقبل أو عنه يعرض. فأعلمهما
الحال، وعرفهما ما سبب الإرسال. فأحضراه بالنادي السلطاني فمثل بين يديه، وأوصل تحية الانكتير إليه. وقال: هو يؤثر بك الاجتماع، ولخطابك الاستماع. فإن أعطيته أمانا خرج إليك، وأورد مقصوده عليك. أو شئت كان الاجتماع به في المرج، خاليين من مقتضيات المرج. وكلاكما عن عسكره منفرد، ولحديثه في الخلوة مورد فأجابه السلطان وقال: إذا اجتمعنا فهو لا يفهم بلساني وأنا لا أفهم بلسانه، ونحيل بالبيان على ترجما وترجمانه. فيكون ذلك الترجمان رسولا، فلعله يرد بسول ويصدر سولا.
فلما لج في الطلب؛ وألح في الأرب؛ أستقر أن يكون الحديث مع الملك العادل. وأن تنجح من عنده وسائل الرسائل. ودخل وقد أخذ أمانا، وانقطع بعد ذلك زمانا. فشاع عندنا أن ملوكهم منعوه، ومن ركوب الخطر فزعوه. فأنفذ ملك الأنكتير رسوله