وسطا بعصابتهم المعصوب بها النصب سوط العذاب المصبوب.
وتدارك الناس، وتلافوا وتلاقوا، وتعاطوا كؤوس وتساقوا. ورأوا غمرات الموت فزاروها، وداروا حول رحى الحرب وأداروها. واستحلوا شهد الشهادة فشاروه، وألفوا الأجل كامنا فأثاروه. وتواثبوا عليهم تواثب السباع على الضباع، ورفعوا لقرى العواسل الجياع نار القراع، وأطالوا بشبا العوالي للعوافي باع الإشباع. وأنبعوا عيون النجيع من عيون الجميع على جداول البيض، وأفاضوا فيوض الدم القاني بالصارم المفيض. وقتلوا وسفكوا، وفتكوا وهتكوا. وردوهم على أعقابهم ناكصين، ومن حسابهم ناقصين. ولأشغال الناس بكشف ماعرا من الغمة؛ وأظل من الظلمة؛ والتهائهم بثقل الغلة، عن نقل الغلة؛ وتركوا البطس بحالها، مملوءة بغلالها، حتى هاج البحر فضرب بها الحشف، وأذهب بكسرها كل ما فيها واتلف. وغرق من كان فيها، واتى الغرق على الأمتعة التي تحويها. حتى قيل هلك بها زهاء ستين نفسا، عدموا ولم نجد لهم حسا. ناموا والقدر منتبه، وذهلوا وحكم القضاء إليهم متوجه.
وفي ليلة السبت سابع ذي الحجة وقعت قطعة عظيمة من سور عكاء على فضيلها فهدمته؛ وثغرت الشغر وثلمته. فبان منها الضوء لأهل الظلمة، فتبادروا إليها طمعا في هجم الثلمة. فجاء أهل البلد وسدوها بصدورهم، وصدوا عنها بنحورهم. وبنوها بأبدانهم إلى أن بنوا ذلك البدن، وعمروا ما خرب وثقوا ما وهن. وقتلوا وجرحوا من العدو خلقا، وأوسعوا بالمضايقة في كل ذي خرقا، فانجلت الحرب عن طريح صريع، وجريح إلى الهزيمة سريع، وطليح للعقير قريع.
وعاد الثغر أقوى مما كان وأحكم، وكل ذلك بجد بهاء الدين قراقوش حيث كان
المقدام المقدم. وهذا الأمير قراقوش لما ضجر الأمراء وضجوا؛ وطلبوا الخروج ولجوا؛ أقام ولك يرم، ولم ينحل عقد ثباته ولم ينخرم.
وفي ثاني عشر ذي الحجة هلك ملك الألمان بمرض الجوف، ولعله من عرض الخوف، وأدرك أباه في الدرك الأسفل من النار، وأبصر في جهنم مصاير أمثاله من الكفار. وزاد بهلاكه ألم الألمانية، وانسدت بموته فرج الفرنجية. وتبعه في السفر إلى سقر؛ كند كبير يقال له - كند تيباط، دافع القدر فما قدر. وهلك منهم بالأمراض المختلفة العدد الكثير، واشتعلت بهم الجحيم واشتعلت عليهم السعير.
وفي يوم الاثنين ثاني عشري ذي الحجة عاد المستأمنون من الفرنج الذين أنهضهم السلطان في براكيس، ليغزوا في البحر ويكونوا ايضا لما جواسيس. فرجعوا وقد غنموا وغلبوا، وكسروا وكسبوا، وسروا وأسروا، وقسروا فظفروا. وذكروا أنهم وقعوا بحراقة كبيرة ومعها براكيس، وفيها تجار فرنج ومعهم من المال الجليل النفيس.