تل العياضة فركبوا، وأشعلوا القوم بنيران النصال وألهبوا. فنزل العدو تلك الليلة على آبار كنا حفرناها عند نزولنا هناك، والحمية الحامية المنبعثة على تلك البعوث ما تركت الأتراك. فباتوا حول القوم يرمون ويدمون، ويشوون ويصمون.
ولما اتصل خبرهم بالسلطان رحل الثقل إلى ناحية القيمون، وثبت الله القلوب على الأمن والسكون. وبقى الناس على خيلهم جرائد، وقد استعذبوا من مر الكريهة الموارد. وركب العدو يوم الثلاثاء سائرا، وقد عب عبابه زاخرا، وهب غابه زائرا. وطما بحره مائجا، وسما جمره مارجا.
وعساكرنا في أحسن تعبية، ولدعاء القراع في أوحى تلبية. وقد امتزجت زجرات الجاووش! بنعرات الجيوش. والميمنة إلى الجبل ممتدة، والميسرة إلى النهر بقرب البحر وصفوفها مشتدة مستدة. والسلطان في القلب كالقمر في الهالة، عليه إكليل من أنوار الجلالة.
فسار حتى وقف على تل عند الخروبة، على المهابة الحالية والحالة المحبوبة.
ومقدمو ميمنته عظماء دولته، صاحب دمشق ولده المبجل الملك الأفضل وصاحب حلب الملك الظاهر، وصاحب بصرى ولده الملك الظافر، وأخوه الملك العادل في آخرها، والأمراء بعساكرها. يلي حسام الدين بن لاجين، قايماز النجمي صارم الدين، والأمير بشارة صاحب بانياس، وهو الذي لا يرجو منازلته إلا من فيه بان الياس. ثم بدر الدين دلدرم الياروقي صاحب تل باشر؛ وقد طالما بشر الإسلام بما باشر. وعدة كثيرة من الأمراء يطول ذكرها، على إنه يطيب نشرها.
وعظماء الميسرة ومقدموها، وأمراؤها ومقدموها، والملك عماد الدين صاحب سنجار - وهو العادل للإسلام وعلى الكفر جار. وابن أخيه معز الدين سنجر شاه صاحب الجزيرة، والملك المظفر تقي الدين ذو السطوة المبيدة المبيرة. وسيف الدين علي المشطوب الذي تشب بناره الحروب، وتصب على العدا منه الكروب. والهكارية، والمرانية، والحميدية، والزرزارية. وأمراء القبائل من الأكراد؛ أقتال القتال وأجادل الجلاد.
ورجال الحلقة المنصورة واقفون في القلب لابسي الحلق السرد خائضي بحر الحرب. من كل فارس فراس، وهرماس رماس. وضيغم ضاغم، وضرغام غارم. وليث قضقاض، ملوث بفضفاض وقسور قاسر، وهربز زابر زائر. وأسد في غاب الأسل، وقارع في القراع باب الأجل. وقار ثعالب الخرصان، وذباب الظبا من دم الأقران، وقار على ثبات الشجعان. وقارئ (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) ثقة بوعد القرآن، وقارن حج النجح بعمرة عمره وبذله في الجهاد؛ للتمتع بعمر الجنان. وسابق إلى حلبة الشهادة، وسامق على ذروة السعادة. وملابس للروع مباسل، وعاسل كالذئب إلى ذب العدا عن الهدى بعاسل.
وسار الفرنج شرقي النهر لنا مواجهين، وللكريهة غير كارهين. حتى وصلوا إلى