يصدونهم عن سبلها. ودمنا نصابحهم بالقتال ونماسيهم، ونراوحهم ونغاديهم، ونعاودهم ونباديهم ونقدم، بعوادينا على عواديهم، ونصدهم ونصدمهم، ويوجدهم البحر ونعدمهم.
وما زالت مراكبهم تتواصل، ومناكبهم تتطاول. وأهل الجزائر من أهل الجزائر متوافرون متوافدون، كترادفون مترافدون. قد لفعوا وجه البحر بنقب السفن، وجذبوا بالقلوس على ثبجة عران الرعن. وألقوا على تياره بسط البطس، وحملوا على البحر أوزارا النجس. وتبا لهم وتعسا. فإنهم زادوا على رجسهم رجسا.
وبقى القتال بينهم وبين اليزكية؛ كل بكرة إلى العشية؛ إلى أن وصل الملك المظفر تقي الدين عمر ومظفر الدين كوكبوري - الأسد الغضنفر. فاستظهرنا بهما وبعسكرهما الدهم، ووصل مقدمو الرجال في الجمع الجم. واستدارت الفرنج بعكاء كالدائرة بالمركز، وزادوا من جانبنا في التحرس والتحرز. ومنعوا من الدخول والخروج؛ ولج أولئك العلوج في ضبط طريق الولوج. وذلك في يوم الأربعاء والخميس آخر رجب لانسلاخه، والإسلام ينادينا باستصراخه.
وأصبح السلطان يوم الجمعة مستهل شعبان وقد استهلت راياته، واستقلت آياته. وعز عزمه وعلا حكمه. وما منا إلا من أسرج الجرد وجرد السريجيات، وعاج بالاعوجيات، وأشرف بالمشرفيات، وبرز باعتقال الردينيات، ورديان العقيلبات، وأذكى المذاكي وقرب المقربات. وقد سن سنان لدنه، وجن جنان قرنه. وساف سيفه ردع الدم، وضاف جوده مضيف العدم.
وأقبلنا والنصر مقبل، والظفر متهلل. والميمنة والميسرة باليمن واليسر ممتدتان، والقلب له من التأييد والتمكين جناحان. واتفقت الآراء؛ وأجمع الأمراء على أن
يكون اللقاء وقت صلاة الجمعة، عند قبول الدعوات المرتفعة. ومناب منابر الإسلام عن أهله في جميع بلاده، وإجماع الألسنة والقلوب في الضراعة إلى الله في نصرة المجاهدين من عباده. وأحاط العسكر الإسلامي بجوانبهم. وكدر عليهم صفو مشاربهم، وفلل مضاء مضاربهم. وهم في وضعهم واقفون، وعلى مصارعهم عاكفون، وفي مواطنهم ثابتون. وعلى مواطئهم نابتون كالبنيان المرصوص ما فيه خلل، وكالحلقة المفرغة ما إليها مدخل. وكالسور المحيط ما عليه متسلق، وكالجبل الأشم ما فيه متعلق. فزحفنا إليهم فلم يبرحوا، وقربنا منهم فلم ينزحوا. وحملنا عليهم فأخذوا الضربة ولم يعطوها، وأنخنا لهم مطايا المنايا فهان عليهم أن يمتطوها. ودامت الحرب قائمة، وديمة الدم دائمة. وكلما قتل واحد وقف آخر مقامه، وخلف نظامه. حتى دخل الليل وحجز، ووعد النصر ما نجز، وحزب الحق ما عجز.
أصبحوا يوم السبت على الحرب كما أمسوا، وزادوا على ما جرى أمس وألهوا عنه وأنسوا. فما طلعت شمس الظهيرة حتى طلعت شمس الظهور، وأصبحت شمس الجمهور، واستضاف نورها مستفيض النور.
وحمل الناس