في الشام كل مدينة.

فطلع السلطان تلك الليلة إلى القلعة، وسر بما رأى لها مثل الحصانة والرفعة، ووقف الملك المظفر لعمه، وجرى في الخدمة على رسمه. وحضرنا وأمير المدينة النبوية معنا، والسلطان قد أجلسنا بحضرته ورفعنا، والنادي قد جمعن، والشادي قد أسمعنا. والأغاريد تطرب، والأناشيد تعرب. فما انفصلنا تلك الليلة إلا عن علم نشر، وعرف أنشر. وفضل سنى، وعدل أحيى، ورسم نائل للسماح أجرى، وزند سائل بالنجاح أورى، وسنى جد أعلى، وجنى جود أحلى.

وقرأ لذوي الحاجات القصص، وأزال من الظلامات الغصص، وأنال لذوي الخصاصات الحصص. وأصبحنا على الرحيل، ووصلنا العنق بالذميل. وعبرنا مغذين على حمص، وزدنا في الوصول إلى دمشق على طريق بعلبك الحرص. وجثناها قبل شهر رمضان بأيام، وركنا إلى ما أنسنا به من مقام. وتجمع بنا

شملها، وتهلل باستهلالنا أهلها. وقلنا نصوم مع القوم، ونقيم مدة الصوم. فما لبث السلطان ولا مكث، ولا نقص عهد عزمه على الغزاة ولا نكث. وقال لا نبطل الغزوة، ولا نعطل هذه الشتوة. وقد بقيت صفد وكوكب وأخواتها، وبطول مضايقتها فنيت أقواتها وقواتها، فننتهز فرصة فتحها التي لا يؤمن من فواتها.

وخرج من دمشق في أوائل شهر رمضان وجد عزمه رميض، ولبارق سعده وميض، وفضله مستفيض ووجوه الأيام بأياديه البيض يسض، ولسان الدهر في ذكر سيره وتسيير ذكره مفيض، وجناح الكفر ينجاح رجائه ورواج مناجحه مهيض، وحديث إقدامه القديم والحديث طويل عريض.

ذكر فتح الكرك وحصونه

ووردت البشرى بنجح الدرك، في تسلم حصن الكرك. وذلك أن مدة غيبتنا في بلاد إنطاكية، لم تعدم من محاصرتها المضايقة الناكية. وكان الملك العادل أخو السلطان مقيما بتبنين في العساكر، محترزا على البلاد من غائلة العدو الكافر. مقويا للأمراء المرتبين على الحصون، حافظا على الدهماء بحركته في الأمور عادة السكون. وكان صهره سعد الدين كمشبه الأسدى بالكرك موكلا، وبأهله منكلا، وقد غلق رهنه وبقي داؤه معضلا، وأمره مشكلا؛ حتى فنيت ازوادهم، ونفدت موادهم. ويئسوا من نجدة تأتيهم، وأمحلت عليهم مصايفهم ومشاتيهم. فتوسلوا بالملك العادل، وأبدوا له ضراعةالسائل، وتذرعوا بوسائل الرسائل. فما زالت الرسالات تتردد؛ والاقتراحات تتجدد؛ والقوم يلينون والعادل يتشدد؛ حتى دخلوا في الحكم، وخرجوا على السلم. وسلموا الحصن، وتحصنوا بالسلامة، وخلصوا بإقامة عذرهم عند قومهم من الملامة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015