الآخرة وحوى من الدنيا متاعها، وأذهب الغلة بذهب يغله. ويستحلى مر هذا السحت ويستحله، ثم يستعفي من حفظ الثغر ويشير بتخريبه، ووقع لي فيه من الظن ما كان بعد سنين فكشف عنه علم تجريبه.
فلما فرغ السلطان من شغل الحصون؛ وظفر من فتوحها بالسر المصون؛ عول
على قصد إنطاكية فإنها كانت مرسضة على شفا، ورسم قوتها قد عفا، وخلق ثيابها قد انتفى، والدهر قد انتقم منها واشتفى، ووجه الفلاح عن أهلها قد اختفى. فلو صدقها وتصدها، لحص دعائمها وحصدها.
وكان الابرنس صاحبها قد عجل بإرسال أخي زوجته، يسأل في سلم يعود ببقاء بهجته، وسلامة مهجته. وعقد الهدنة على بلدة؛ وأمن على ما في يده؛ وذلك لثمانية أشهر من تشرين إلى آخر أيار، ووافق من السلطان الاختيار. لكون انقضاء الهدنة قبل إدراك الغلة وأوان حصادها، فلا يقدر الفرنج على تحصيلها ونقلها وإعدادها. ولم يكن له رغبة في إتمام هذا الصلح، لكمال الغبطة لنا في الحرب ووفور الربح لكن العسكر الغريب مل الإقامة، وأبدى السآمة، وأراد السلم والسلامة وقيل بهذه المدة من الهدنة لا تزاد إنطاكية قوة ولا تستجد جدة ولا ترجو لها عدة منجدة، ونحن نضرب للعود إليها مع انقضاء عدتها عدة.
وأما حصونها فقد حصلنا على عسلها، وقتلنا نحلها، وأما هي فنعمل فيها بقول الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها). وشرط على صاحب إنطاكية إطلاق من في الأسر من المسلمين. واستوفى رسولها على عقد الهدنة اليمين. وسار رسولها مع (شمس الدولة بن منقد) للأسارى منفذا، وللأوامر منفذا، وعلى المقاصد مستحوذا. وسار السلطان ثالث شعبان على سمت حلب، والإسلام قد غلب، وفاز من الفتوح بما طلب، واستغنى بما جمعه من السبي والغنيمة وسلب وخلب.
ولما رحل من بغراس وقف لعماد الدين ودعاه لوداعه، وشيعه بكرامة كرام أشياعه، وخصه بعد ما سير له من الخيل والخير بخلع خواصه واتباعه، وأناله
منه حسن اصطفائه وحسنى اصطناعه، ولم ينفصل منهم إلا من وصل بصلة، وخلعه مجملة،