وتأملْ موقع هذا الخطابِ من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث يقول: "يا صاحبَ المقراةِ لا تخبره" ثم يواجه هذا الصحابيَّ الجليلَ بقوله: "هذا متكلِّفٌ" فإنَّ في هذا أبلغَ زاجرٍ للمحكِّمينَ للشكوكِ، المتنطعينَ المتكلِّفين، المثبتين في هذه الشريعة ما ليس منها والأحاديث (?) في هذا الباب كثيرة لمن تتبعها، وأمعنَ النظرَ في شأنها.

ولا شك أن الزرعَ الذي وقعَ السؤالُ عنه عند دياسته بدوابً لا تؤكلُ كالحميرِ والأُتنِ محكومٌ له بالطهارةِ؛ لأنه متولِّد بين طاهرينِ: الترابِ الذي نبتَ، والماء الذي سُقي به، بل هما مستحقَّان لوصف زائدٍ على مجرد كونِهما طاهرينِ وهو أنهما مطهَّران لغيرهما.

وإذا تقرر أن الزرع المذكورَ [2أ] طاهرٌ وأن طهارتَه مجمعٌ عليها من جميع المسلمينَ فالواجبُ استصحابُ هذا الأصل. ومن عَرَضتْ له شكوكٌ فسأل عن طهارتِها قلنا كما قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر رضي الله عنه أنه متكلِّفٌ.

وأما إذا كان السؤالُ بأشياءَ لا عن مجرَّد شكوكٍ كهذا السؤالِ الذي أورده السائل- كثر الله فوائده- فإنه إنما سأل عن شيء يشاهده ويشاهده غيرُه من دياسِ الزُّرَّاعِ في الجرينِ بالدوابِّ التي لا يؤكلُ لحمُها؟ فنقول: لا شكَّ أن الدياس بها مظنَّة لوقوع البولِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015