والذي عندي أن حكام الشريعة إنما هم مترجمون لها، مبينون لما فيها، فمن أصاب الحق فقد أصاب، ومن أخطأه فقد أخطأ، وكون المخطي مأجورًا لا يستلزم لزوم حكمه، وقيام الحجة به. فإذا حكم حاكم بمحض الرأي، ظنًا منه أن دليل ذلك الحكم لا يوجد في الكتاب، ولا في السنة، ثم وجد غيره النص الدال على ذلك الحكم على وجه لا يتطرق إليه الرد، ولا يتعاوره النقض كان حكم الحاكم الأول منقوضًا باطلا، وإن كان له في ذلك الرأي الذي حكم به سلف من أهل العلم قد قالوا بقوله، وإن لم يكن ذلك الدليل الذي وجده غيره قطعيًا. ويقال لذلك الحاكم الذي لم يجد النص: قد اجتهدت فأخطأت، فلك أجر، وأما أن حكمك لازم لغيرك فلا، ولا كرامة بل هو رد عليك، ولم تكن شارعًا للعباد شريعة من عندك حتى تلزمهم ما جئت به من الرأي الذي قد وجد النص من الشارع بخلافه، بل أنت وسائر عباد الله متعبدون بهذه الشريعة التي بين أظهرنا، ليس لكم أن تزيغوا عنها، أو تخالفوها، أو تعارضوها بمحض الرأي، وجهل من جهل النص رد عليه، لأنه أمر مخالف لما كان عليه أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وكل أمر مخالف لما كان عليه أمر رسول الله رد، فهذا رد، أما الصغرى فلأنه قد وجد النص من الشارع، ونصه هو الذي كان عليه أمره بلا شك ولا شبهة، وأما الكبرى فللحديث الصحيح المتلقى بالقبول عند جميع الطوائف الإسلامية، وهو كل ما لم يكن عليه أمرنا فهو رد. لا يقال: إن ترافع الغريمين إلى الحاكم بمنزلة تحكيمهما له في تلك القضية التي اختصما فيها، لأنا نقول: إنه لو كان ذلك كذلك فهما إنما ترافعا إليه ليحكم بينهما بالشريعة المطهرة، لا بمحض رأيه، فإنهما لم يقصداه لذاك، ولا نصبه في منصب القضاء من نصبه إلا ليريح الخصوم بالشريعة المطهرة، ولا يعدل عنها إلى الرأي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015