من دونه على استخراجه، وأحق هذه العلوم بالتوسع، وأولاها بالتبحر علم السنة (?)، وإمعان النظر فيما لا يتمهر فيها إلا به من الاطلاع على أحوال رواتها، ومعرفة أسباب الجرح والتعديل، وعدم القنوع بالجرح المجمل، حتى يقف على السبب والترجيح عند تعارض التعديل والتجريح، ومعرفة رجال إسناد كل حديث ذاتًا وصفةً، والتدرب في علوم اصطلاح المحدثين، فلهم اصطلاحات موضوعة بينهم لا يمكن تخريجها على المدلول اللغوي، والبحث عن المؤلفات في متون الأحاديث وأسانيدها على ما تبلغ إليه القدرة، ويقبله الفهم، ويحصل عنده الظن بأنه لم يكن في المسألة غير ما قد علمه وحصل له من حفظه وبحثه، ثم أحق العلوم بعد علم السنة بالاستكثار منه، والتوسع فيه علم الأصول، فإنه العلم الذي تدور عليه دوائر الاجتهاد، ويترتب على تحقيقه الإصدار والإيراد، ثم علم البلاغة، ثم سائر العلوم المتعلقة باللغة؛ فإن التوسع فيها يوجب لصاحبها ملكةً في الاستدلال لا توجد عند من هو دونه، فإنه يصير بذلك مفسرًا لكتاب الله من دون مراجعة كتب التفسير، وشارحًا لسنة رسول الله من غير مراجعة للشروح، ثم على هذا المجتهد الذي يتصدر لإرشاد هذه الأمة أن يمعن النظر في أقوال [14أ] المجتهدين، ويحفظ مذاهبهم، أو يراجع المؤلفات الموضوعة لذلك عند الحاجة، فإنه إذا عرف ذلك وجد له في كل مسألة سلفًا، فيقوى جنابه، وينثلج قلبه، ويطمئن خاطره، ويديم النظر في كتب التفسير وشروح الحديث، وإن كان له من الملكة ما يقتدر به على ما يحتاج إليه من ذلك لكنه يجد ثمرات اجتهادات المجتهدين، وأبكار أفكار المحققين محررة هنالك، فيستفيد منها ما لا تفيده ملكته خصوصًا تأليفات الأئمة الكبار، ومجاميع العلماء المشهورين بقوة الأنظار.

ومن أنفع ما يستفيد به من أراد نشر العلم أن يكرر النظر في المؤلفات الموضوعة لتحقيق الحق في مسائل الفقه، فإنه يجد فيها ما يستعين به على مطلوبه، ولا يبادر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015