إجابة دعوة الداعي إلى الشريعة لا تجب على المدعو إلا إذا كان المدعو إليه هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وأن إلحاق غيره بالقياس عليه ممنوع بإبداء الفارق، فكان حاصل هذا أن من دعا غيره إلى الشريعة المطهرة بعد عصر النبوة غير مجاب الدعوة. وقد قدمنا أن الدعوة كما تكون في المعاملات تكون في العبادات [11أ]، وأنه إذا ارتفع التعبد بهذا الأصل العظيم ارتفع بغيره بفحوى الخطاب. أقل حال أن يكون ارتفاعه بلحن الخطاب لتساوي أقدام جزئيات الشريعة في الانتساب إليها. وأما قوله: إن الخصوص في آية سورة النساء أوضح، فإن كان ذلك لقوله تعالى: {حتى يحكموك} فمعلوم أن إيقاع التحكيم من الأمة على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ليس بأوضح من إسناد الحكم إليه من قوله في سورة النور: {ليحكم} بل لو قال قائل: إن الأمر بالعكس لم يبعد عن الصواب لما لا يخفى على من يعرف علم النحو وعلم المعاني، وإن كانت الأوضحية لكون ما في سورة النساء خطابًا له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وما في سورة النور ليس بخطاب له، بل إثبات حكم يتعلق به. فغير خاف على ذي فهم أن إثبات الشيء لمن كان غائبًا غير مخاطب يتضمن التسجيل والجزم تضمنًا لا يفيده إثبات ذلك في الخطاب باعتبار ما يستفاد من دقائق العربية وأسرارها بالنسبة إلى المحاورات البشرية، فإن تفويض فرد من أفراد النوع الإنساني لآخر في أمر وهو غير حاضر أقوى من تفويضه وهو حاضر مخاطب لما نجده في الطباع البشرية من أن للحضور مدخلية في التحاشي، وهذا إنما هو باعتبار المحاورات البشرية كما قدمنا، والخالق - عز وجل - يتنزه عنه ولكنه لا يتم البيان في مثل هذا المقام إلا بالتمثيل بما يقع بين أهل اللغة حتى يتضح للسائل - حفظه الله - أن ما ادعاه من الأوضحية غير واضح وإن كان المستند لما ادعاه من الأوضحية هو غير ما ذكرناه فهو لا يصلح لذلك كالقسم وتكرير الضمير، فإن ذلك لا مدخل له فيما يتعلق بالدعوى كما لا يخفى.
قال - كثر الله فوائده -: الوجه الثاني: أن هاتين الآيتين لو دلتا على وجوب