ينفعه ما تعلمه من العلم بعد ذلك بل يذهل عن كل حجة شرعية تدل على أن هذا هو الشرك بعينه، وإذا سمع من يقول أنكره ونبا عنه سمعه، وضاق به ذرعه، لأنه يبعد كل البعد أن ينتقل ذهنه دفعة واحدة في وقت واحد عن شيء يعتقده من أعظم الطاعات إلى كونه من أقبح المقبحات، وأكبر المحرمات، مع كونه قد درج عليه الأسلاف، ودب فيه الأخلاف، وتعاورته العصور، وتناوبته الدهور. وهكذا كل شيء يقلد الناس فيه أسلافهم، ويحكمون العادات المستمرة.

وبهذه الذريعة الشيطانية، والوسيلة الطاغوتية بقي المشرك من الجاهلية على شركه، واليهودي على يهوديته، والنصراني على نصرانيته، والمبتدع على بدعته، وصار المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وتبدلت الأمة بمثير من المسائل الشرعية غيرها، وألفوا ذلك، ومرنت عليه نفوسهم وقبلته قلوبهم، وأنسوا إليه، حتى لو أراد من يتصدى للإرشاد أن يحملهم على المسائل الشرعية البيضاء النقية التي تبدلوا بها غيرها لنفروا عن ذلك، ولم تقبله طبائعهم، ونالوا ذلك المرشد بكل مكروه، ومزقوا عرضه بكل لسان، وهذا كثير موجود في كل فرقة من الفرق لا ينكره إلا من هو متهم في عقله.

وانظر إن كنت ممن يعتبر ما ابتليت به هذه الأمة من التقليد للأموات في دين الله، حتى صارت كل طائفة تعمل في جميع مسائل الدين بقول عالم من علماء المسلمين، ولا تقبل قول غيره، ولا ترضى به، وليتها وقفت عند عدم القبول والرضا، لكنها تجاوزت ذلك إلى الحط على سائر علماء المسلمين، والوضع من شأنهم، وتضليلهم، وتبديعهم [34]، والتنفير عنهم، ثم تجاوزا ذلك إلى التفسيق والتكفير، ثم زاد الشر حتى صار أهل كل مذهب كأهل ملة مستقلة، لهم نبي مستقل، وهو ذلك العالم الذي قلدوه، فليس الشرع إلا ما قال به دون غيره، وبالغوا وغلوا فجعلوا قوله مقدما على قول الله ورسوله. وهل بعد هذه الفتنة والمحنة شيء من الفتن والمحن!.

فإن أنكرت هذا فهؤلاء المقلدون على ظهر البسيطة قد ملئوا الأقطار الإسلامية فاعمد إلى أهل كل مذهب، وانظر إلى مسألة من مسائل مذهبهم هل هي مخالفة لكتاب الله، أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015