فإن لم يكن ثم غالب بل الأرض تصلح لهذا ولهذا، والبعض منها مغروس، والبعض مزروع، فإن كان غرس الغارس متقدما على إحياء الأرض التي لجاره فالغارس ليس بمضار جاره، وإن لم يكن الغارس متقدما فهذا من مواضع النظر للحاكم، وربما يختلف باختلاف الأحوال، واختلاف الأشجار التي تغرس؛ فإن بعض المواضع قد تضرها الغروس التي تغرس بالقرب منها، وبعضها لا تضرها، وبعض الغروس قد يضر ما هو مجاور له من الأرض وبعضها لا يضر.
وبالجملة فهذه الشريعة الغراء من عرفها حق معرفتها وجدها مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد. وقد ورد مما يدل على هذا من كليات الشريعة وجزئياتها ما لو جمع لكان في مصنف مستقل.
وما أشار إليه السائل - كثر الله فوائده - من أنه إذا امتدت الغروس على أرض الغير حتى بلغ الحال لا يمكن الانتفاع بالأرض في الزرع ... إلى آخر ما ذكره.
فنقول: حكم هذا حكم من غرس غروسا في أرض الغير (?) غصبا، فإن المتوجه قلع الغروس؛ إذ: " ليس لعرق له ظالم حق " (?)، وعلى صاحب الغروس أجرة الأرض للمدة التي شغلها فيها بالغروس، وإن لم ينتفع، وإذا حصل في الأرض نقص بالغرس فعليه أرش النقص، وليس هذا من باب الاستهلاك الحسي، ولا الحكمي، ولا من باب التغير إلى غرض أو إلى غير غرض.
وفى هذا المقدار كفاية، والله ولي التوفيق.
حرر المجيب محمد بن على الشوكاني - غفر الله لهما - في ليلة من ليال شهر القعدة سنة 1217.