وبالجملة فهذا أمر يشاهده كل واحد في زمنه فإنا لم نسمع بأن أهل مدينة من المدائن الإسلامية أجمعوا أمرهم على ترك التقليد واتباع الكتاب والسنة لا في هذا العصر ولا فيما تقدمه من العصور بعد ظهور المذاهب بل أهل البلاد الإسلامية أجمع أكتع لا مطبقون على التقليد.

ومن كان منهم منتسبا إلى العلم فهو إما أن يكون مبلغ علمه معرفة ما هو مقلد فيه وهذا هو عند التحقيق ليس من أهل العلم، وإما أن يكون قد اشتغل ببعض علوم الاجتهاد ولم يتأهل للنظر فوقف تحت ربقة التقليد ضرورة لا اختياراً وإما أن يكون عالماً مبرزاً جامعاً لعلوم الاجتهاد فهذا هو الذي يجب عليه أن يتكلم بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم إلا لمسوغ شرعي.

وأما من لم يكن منتسبا إلى العلم فهو إما عامي صرف لا يعرف التقليد ولا غيره، وإنما هو ينتمي إلى الإسلام جملةً ويفعل كما يفعله أهل بلده في صلاته وسائر عبادته ومعاملته فهذا قد أراح نفسه من محنة التعصب التي يقع فيه المقلدون وكفى الله أهل العلم شره، فهو لا وازع له من نفسه يحمله على التعصب عليهم بل ربما نفخ فيه بعض شياطين المقلدة وسعى إليه بعلماء الاجتهاد فحمله على أن يجهل عليهم بما يوبقه في حياته وبعد مماته [23] وإما أن يكون مرتفعا عن هذه الطبقة قليلا فيكون غير مشتغل بطلب العلم لكنه يسأل أهل العلم عن أمر عبادته ومعاملته وله بعض تمييز فهذا هو تبع لمن يسأله من أهل العلم إن كان يسأل المقلدين فهو لا يرى الحق إلا في التقليد وإن كان يسأل المجتهدين فهو يعتقد أن الحق ما يرشدونه إليه فهو مع من غلب عليه من الطائفتين، وإما أن يكون ممن له اشتغال بطلب علم المقلدين وإكباب على حفظه وفهمه وال يرفع رأسه إلى سواه ولا يلتفت إلى غيره فالغالب على هؤلاء التعصب المفرط على علماء الاجتهاد ورميهم بكل حجر ومدر وإيهام العامة بأنهم مخالفون لإمام المذهب الذي قد ضاقت أذهانهم عن تصور عظيم قدره، وامتلأت قلوبهم من هيبته حتى تقرر عندهم أنه في درجة لم يبلغها الصحابة فضلا عمن بعدهم، وهذا وإن لم يصرحوا به فهو مما تكنه صدورهم، ولا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015