ولهذا طبقت هذه البدعة جميع البلاد الإسلامية، وصارت شاملة لكل فرد من أفراد المسلمين فالجاهل يعتقد أن الدين ما زال هكذا ولن يزال إلبى المحشر، ولا يعرف معروفا وال ينكر منكراً وهكذا من كان من المشتغلين بعلم التقليد فإنه كالجاهل [19] بل أقبح منه لأنه يضم إلى جهله وإصراره على بدعته وتحسينها في عيون أهل الجهل والازدراء بالعلماء المحققين العارفين بكتاب الله وسنة رسوله ويصول عليهم ويحول وينسبهم إلى الابتداع ومخالفة الأئمة والتنقص بشأنهم فيسمع ذلك منهم الملوك ومن يتصرف بالنيابة عنهم من أعوانهم فيصدقونه ويذعنون لقوله إذ هو مجانس لهم في كونه جاهلاً وإن كان يعرف مسائل قد قلد فيها غيره لا يدري أهي حق أم باطل ولا سيما إذا كان قاضيا ً أو مفتيا فإن العامي لا ينظر إلى أهل العلم بعين مميزة بين من هو عالم على الحقيقة ومن هو جاهل وبين من هو مقصر ومن هو كامل لأنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهله.

وأما الجاهل فإنما يستدل على العلم بالمناصب والقرب من الملوك واجتماع المتدرسين من المقلدين وتحرير الفتاوي للمتخاصمين وهذه الأمور إنما يقوم بها رؤوس هؤلاء المقلدة في الغالب كما يعلم ذلك كل عالم بأحوال الناس في قديم الزمن وحديثه، وهذا يعرفه الإنسان بالمشاهدة لأهل عصره وبمطالعة كتب التاريخ الحاكية لما كان عليه من قبله.

وأما العلماء المحققون المجتهدون فالغالب على أكثرهم الخمول لأنه لما كثر التفاوت بينهم وبين أهل الجهل كانوا متباعدين لا يرغب هذا في هذا ولا هذا في هذا.

ومنزلة الفقية من السفيه ... كمنزلة السفيه من الفقيه

فهذا زاهد في حق هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه

ومما يدعو العامة إلى مهاجرة أكابر العلماء وقاطعتهم أنهم يجدونهم غير راغبين في علم التقليد الذي هو رأس مال فقهائهم وقضاتهم والمفتين منهم بل يجدونهم مشتغلين بعلوم الاجتهاد وهي عند هؤلاء المقلدة ليست من العلوم النافعة عندهم [20] هي التي يتعجلون نفعها بقبض جرابات التدريس وأجرة الفتاوي ومقررات القضاء ومع هذا فمن كان من هؤلاء المقلدة متمكنا من تدريسهم في علم التقليد إذا درسهم في ......

طور بواسطة نورين ميديا © 2015